فى مسلسل الملك فاروق حاولت مؤلفته الدكتورة لميس جابر إقناعنا بثلاث قضايا: الأولى: أن النحاس باشا زعيم حزب الوفد كان يخوض المعارك مع الملك دفاعا عن الديمقراطية والدستور، وهذه القضية صحيحة تاريخيا, الثانية: أن الملك فاروق كان وطنيا ومشغولا بمصالح البلاد وحريصا على رعاية الشعب رعاية كاملة كما أقسم على ذلك فى بداية عهده، والقضية الثالثة: أن الثورة قامت بدون مقدمات شعبية لمجرد خلاف بين الضباط الأحرار والملك حول تشكيل مجلس إدارة نادى الضباط واختياره لوزير الحربية الذى لا يرضى عنه الجيش. والقضيتان الأخيرتان فيهما مخالفة للواقع التاريخي. لا يختلف المؤرخون على أن النحاس باشا تولى رئاسة الوفد بعد الزعيم الوطنى سعد زغلول، وهو زعيم تاريخى كان موضع إجماع الشعب بصورة نادرة، بل إن الشعب هو الذى جعله زعيما ولم يكن هو الذى سعى إلى ذلك. ولم يكن الوفد فى عهده حزبا بالمعنى الدقيق ولكنه كان حشدا شعبيا ضم كل الفئات والطبقات من الباشوات وكبار ملاك الأراضى إلى شيوخ الأزهر وكهنة الكنيسة إلى الطلبة والعمال والفلاحين. وسار الجميع خلف قيادته من أجل هدف واحد هو النضال لتخليص البلاد من الاحتلال البريطانى وإقرار نظام حكم ديمقراطى واستعادة ثروات البلاد المنهوبة. وبعد سعد ظهرت الخلافات بين زعماء الوفد التى كان يحجبها سعد بشخصيته الكاريزمية، ووقع بعضهم فى الفخ الذى نصبه القصر والانجليز بسياسة (فرق تسد) وشكل كل منهم حزبا لم تكن له شعبية ولكن الحرص على المناصب والثروة أدى فى النهاية إلى إفساد الحياة السياسية، مما أدى إلى حتمية قيام الثورة. ومع حرص المسلسل على أن يجعل المشاهد يحب فاروق وعصره ورجاله لم يتناول بالتفصيل فساد الملك الذى كان يملك إقطاعيات بآلاف الأفدنة فيما كان يسمى (الخاصة الملكية) وكان يملك الأرض والفلاحين الذين كانوا يعملون فى نظام أقرب إلى السخرة. وهكذا كان بقية أفراد العائلة المالكة. أما أن الملك فاروق كان ذا شخصية بسيطة خفيف الدم يحب الناس البسطاء فهذه مسألة تتعارض مع الحقيقة، وتؤدى إلى تضليل الأجيال التى لم تعايش أو تقرأ أو تسمع عن أحوال البلاد فى ذلك العصر والعوامل التى أدت إلى قيام الثورة، التى كانت تعبيرا عن إرادة الشعب ولم تكن تعبيرا عن غضب مجموعة من الضباط أو تطلعهم إلى السلطة. والمؤرخ الكبير الدكتور لبيب رزق فى مقدمة كتاب (فاروق الأول وعرش مصر) للدكتورة لطيفة محمد سالم يقرر – عن علم وتخصص – أن حياة فاروق وعهده يمثلان مرحلتين مختلفتين تمام الاختلاف. المرحلة الأولى كان شعبيا ومحبوبا والمرحلة الثانية كان فاسدا بكل معانى الكلمة. بل إن الدكتور يونان – استنادا إلى شهادات المقربين من الملك فاروق وأهمهم حسن باشا يوسف وكيل الديوان الملكى فى الفترة من 1942 إلى 1952 – يقرر أن شخصية الملك فاروق كانت فى المرحلة الثانية من عهده شخصية (سيكوباتية).. وللعلم فإن هذا مرض عقلى يجعل المصاب به يتحول إلى السلوك الإجرامى، ويضيف الدكتور يونان إلى ذلك ما ذكره المتخصصون من أن فاروق فى هذه المرحلة كان مصابا بمرض نفسى آخر هو (انفصام الشخصية). هذا بينما كانت مصر تعانى ظروفا سياسية واقتصادية بالغة القسوة فى أعقاب الحرب الثانية (1945 – 1952) وكانت فى حاجة إلى قيادة واعية وحكيمة وليس إلى ملك مستغرق فى اللهو ومحاط ببطانة السوء التى تزين له كل ألوان الانحراف السياسى والأخلاقى. والدكتورة لطيفة محمد سالم أستاذة التاريخ الحديث من أكثر المؤرخين إلماما بحياة الملك فاروق ولها أعمال موسوعية عن عصره، وقد أعدت كتابها عن فاروق اعتمادا على الوثائق البريطانية والمصرية وشهادات المقربين والمعاصرين لفترة حكم فاروق، وخرجت بنتيجة أنه كان هناك فاروقان وليس فاروقا واحدا. الأول حكم فى الفترة من 1938 حتى 1944 ثم حدث انقلاب فى شخصيته بعد إقالته لحكومة الوفد فى أكتوبر 1944 وأصبح فاروقا آخر تسبب بنزواته السياسية والشخصية فى تخلف مصر عن مسيرة التحديث التى انطلقت إليها معظم الدول وسبقتنا . وقد عرض المسلسل بتفصيل المرحلة الأولى واستغرقت معظم الحلقات. أما المرحلة الثانية – وهى الأهم – فاكتفى بإشارات سريعة قد تفوت على المشاهد، وأظهر انحرافات الملك وكأنها كانت مجرد هفوات أو نزوات وليست تلاعبا بمصائر الشعب واعتداء على حقوقه. وقدم المسلسل البطانة الفاسدة المحيطة بالملك وكأنها مجموعة من الظرفاء والأرجوزات لتسليته فى أوقات الضيق، ولم يبين المسلسل كيف كانت هذه الأرجوزات تؤثر فى سياسات ومواقف الملك السياسية والأخلاقية. وإن كان المسلسل قد ركز على دور أحمد حسنين باشا وكأنه هو وحده كان له تأثير كبير عليه بينما كانت بطانة السوء لا تقل تأثيرا خصوصا بعد وفاة أحمد حسنين وإنفرادهم بالملك الذى عانى من انحرافات أسرته – بالإضافة إلى انحرافه هو أيضا – ويعانى من الضغوط الشعبية متمثلة فى حزب الوفد، ويعانى من الفضائح التى ارتكبتها أمه وبعض شقيقاته فى أمريكا وكانت الصحف الأمريكية والأوربية تنشرها كما تنشر فضائحه فى رحلاته إلى أوربا . ولم يقدم المسلسل صورة للحياة الاجتماعية فى مصر فى ذلك العهد، وحالة الفقر والحرمان والملايين التى لا تأكل اللحم إلا فى العيد ولا يأكلون الفاكهة إلا نادرا، ولا يعلمون أبناءهم لأنهم لا يقدرون على دفع مصاريف التعليم، وهكذا كان الثالوث الذى يتردد فى الخطب الرسمية والمقالات هو: الفقر والجهل والمرض، وكان أكبر مشروع قومى هو مشروع مكافحة الحفاء لأن الملايين كانت لا تملك ما تضعه فى أقدامها، وكان أكبر حلم شارك فيه الشعب هو مشروع القرش الذى تبرع فيه المصريون بقروشهم لبناء مصنع لصناعة الطرابيش على أنه تحقيق للنهضة الصناعية للبلاد! لم يصور المسلسل العمال والفلاحين وصغار الموظفين فى معاناتهم كما صورها الأدباء والشعراء ولعلنا نذكر رواية الأرض لعبد الرحمن الشرقاوى وأشعار بيرم التونسى والشرنوبى وكتابات الدكتور محمد مندور وغيرهم وغيرهم. ولم نشاهد فى المسلسل حالة البؤس الذى كان يعيش فيها ملايين المصريين وشاهدنا القاهرة نظيفة والناس تسير بملابس لامعة وطرابيش جديدة وكأنها باريس! والحقيقة أن القاهرة كانت مليئة بالحمير وعربات الكارو وسوارس وبالمتسولين والمشردين والبلطجية. تقول الدكتورة لطيفة محمد سالم: إن المرحلة الثانية لفاروق (1944 – 1952 ) شهدت أفول التوهج الذى لازمه، وانفصل عنه الشعب الذى كان يعانى من سوء الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، وتحول فاروق إلى ديكتاتور يعادى حزب الأغلبية ويعين حكومات ليست لها قاعدة شعبية لتكون منفذة لرغباته ويكون هو وحده الآمر الناهى ويمارس من خلالها أوتوقراطية مستفزة، واستسلمت له أحزاب الأقلية (الأحرار الدستوريين، والهيئة السعدية، والكتلة، والحزب الوطنى) وسايرته – بل وشجعته – على استبداده واستهانته بحقوق الشعب وبالدستور. ولم يصور المسلسل حالة القلق الاجتماعى ونشأة الحركات السياسية بسبب الحرمان والفقر واستهانة أغنياء الحرب والإقطاعيين بمعاناة الملايين، ولم يعرض لمظاهرات الطلبة ضد فاروق وكيف أيد ما فعلته حكومة النقراشى بفتح كوبرى قصر النيل ليسقط عشرات من الطلبة المتظاهرين فى النيل ويكافئ الحكومة على ذلك بمنح نيشان محمد على لرئيس الوزراء، ومنح الباشوية للوزراء الذين لا يحملونها. ولم يذكر المسلسل تجاهل فاروق لمعاناة الشعب وإقامته الاحتفالات التى ينفق عليها من أموال الشعب مما كان يمثل استفزازا لمشاعر الناس. ولكى يعرف الجيل الجديد الحقيقة لابد أن نكمل الحديث عما سجله التاريخ عن هذا العهد البائد. | |||
| |||
|
-فاروق كان ملكا ولم يكن ملاكا ! | ||
كان صلاح الشاهد مديرا للمراسم برئاسة مجلس الوزراء وكان قريبا جدا من رؤساء الوزارات: مصطفى النحاس، وحسين سرى، وعلى ماهر، وأحمد ماهر، والنقراشى، ونجيب الهلالى، وغيرهم. واستمر فى عمله بعد قيام الثورة إلى أن صار كبير الأمناء برئاسة الجمهورية مع عبد الناصر ثم مع السادات.. وقضى 31 عاما يراقب ويتابع من قريب ما يجرى فى دهاليز السياسة فى عصر فاروق ثم فى عصر الثورة، ومن موقعه كان يرى ويسمع ويتابع ما يجرى فى القصر الملكى ثم فى القصر الجمهورى. وبعد أن استقال من عمله فى عام 1973 نشر كتابا مهما بعنوان (ذكرياتى بين عهدين) تحدث فيه عما شاهده وعايشه فى دهاليز القصر الملكى ثم القصر الجمهورى. ويلتقط الكاتب الكبير محسن محمد فى مقدمة هذا الكتاب واقعة تكشف الكثير من جوانب شخصية الملك فاروق. فقد أراد هارى ونستون تاجر المجوهرات الكبير فى أمريكا اللاتينية أن يبيع للملك فاروق قطعتين من الماس بمليونى دولار عن طريق سفير مصر فى باريس أحمد ثروت، وتدخل فى الصفقة أحمد نجيب الجواهرجى (الذى كان الواسطة فى زواج فاروق من ناريمان) وحصل على سمسرة 50 ألف دولار، وذهب إلى المليونير أحمد عبود (صاحب مصانع السكر والسماد وأغنى رجل فى مصر فى ذلك الوقت) وطلب منه أن يدفع الثمن (مقابل خدمات وتسهيلات يحصل منها على أكثر من المليونين) ولكن عبود باشا لم يستطع تدبير المبلغ كله وتمكن من دفع مليون و200 ألف دولار تسلمها الجواهرجى أحمد نجيب وأخذ منها نصيبه، ووافق البائع على أن يسدد المبلغ الباقى فيما بعد، وكان الثمن العاجل لهذه الصفقة هو إقالة وزارة أحمد نجيب الهلالى التى كانت تضيق على عبود باشا الخناق بسبب تهربه من الضرائب مقابل مليون و200 ألف دولار ولم يعد أحد يطالب عبود باشا بما عليه للضرائب.. وهكذا كان فاروق ورجاله وعصره. موقف آخر يغنى عن كتاب يعدد مفاسد فاروق وعصره، طلب الملك فاروق تعيين كريم ثابت وزيرا فى وزارة حسين سرى باشا، وكريم ثابت يعلم الجميع فساد تصرفاته، ورأى صلاح الشاهد حسين سرى باشا- رئيس الوزراء- يقول لمن اعترض على تعيين كريم ثابت وزيرا وهو مشهور بفساده: الملك عاوز كده ولازم نسمع كلام الملك. كما سمع من محمد هاشم أقوى وزراء الحكومة وزوج حسين سرى باشا يقول: كريم ثابت قريب جدا من الملك وحايسندنا فى القصر، والسياسة عاوزة كده. ويحكى صلاح الشاهد أن مباذل الملك فاروق وسهراته التى شاعت فى مصر وخارجها، وبعد أن ظهر أن الملك وحاشيته وفى مقدمتهم أحمد حسنين باشا سائرون فى سياسة غير وطنية وغير كريمة حتى أصبح رمز البلاد مضغة فى الأفواه، حينئذ رأى النحاس وكبار الوفديين عزل الملك عن العرش، وعرض الأمر على مجلس الوزراء فأقر هذا الاتجاه وعهد إلى نجيب الهلالى باشا أن يصوغ بأسلوبه الدقيق بيانا بمبررات خلع الملك، فأعد البيان وذهب به إلى منزل النحاس حيث كان الوزراء لا يزالون موجودين هناك، وتم توقيعهم جميعا على البيان كقرار صادر من مجلس الوزراء بخلع الملك فاروق وإعلان الجمهورية.. كان ذلك فى سنة 1943 أى قبل 9 سنوات من قيام ثورة يوليو، ولكن جاء إلى النحاس من يبلغه موافقة السفارة البريطانية على هذا القرار وأنها تشجع هذا الاتجاه فقام بحرق القرار، واحتفظ أحد الوزراء وقتها بمسودة هذا القرار الذى يكفى للدلالة على مدى ما كان عليه فساد الملك وحاشيته. وهذا الوزير هو محمود سليمان غنام باشا الذى كان وزيرا للتجارة فى ذلك الوقت. ويصف صلاح الشاهد حال البلاد فى ظل حكم فاروق فيقول إن مصرع النقراشى ثم حسن البنا كانت لهما آثار سيئة على الحالة الداخلية فازدادت الأمة تفرقا، وشاعت فى البلاد إجراءات بوليسية غير عادية.. ويشير إلى تزوير الانتخابات بناء على رغبة الملك فاروق ليكون مجلس النواب مؤلفا من أحزاب الأقلية. كما يروى صلاح الشاهد كيف كان الملك والزعماء السياسيون يتوددون إلى السفير البريطانى، وأن السفارة البريطانية كانت فى عصر فاروق هى التى تتولى رسم السياسات.. ويذكر أسماء لا حصر لها من الوزراء ورؤساء الوزارات ورجال القصر - بالإضافة إلى الملك - كانت تستلهم الوحى من السفارة البريطانية التى تمثل سلطة الاحتلال. ويتحدث عن كريم ثابت، فيقول إنه شخصية غامضة تحوط بها الأساطير والحكايات الأخلاقية ومع ذلك كان كريم ثابت عند الملك (فرخة بكشك) ولعب دورا مدمرا فى الفترة من 1946 إلى 1952، وعند زواج الملك بناريمان سنة 1951 اشترطت ناريمان إبعاد كريم ثابت وحاشية الملك التى فاحت رائحة فسادها، وفعلا أبعد الملك كريم ثابت.. ولكن بعد أن تمكن من إفساد كل شىء.. وإفساد الملك. ويذكر صلاح الشاهد أن ناهد رشاد- التى كانت من وصيفات القصر (وهناك قصص وحكايات عن قربها من فاروق)- كانت تطل من شرفة القصر إلى جوار الملك يوم 16 يناير 1952- قبل الثورة بشهور- وكانا يتابعان المظاهرات التى تهتف ضد فاروق وفساده. وكان شعور السخط سائدا فى أنحاء البلاد مقترنا بميلاد ولى العهد أحمد فؤاد.. لم تكن الأمة مبتهجة بميلاد ولى العهد كما حدث عند زواج فاروق سنة 1938 بالملكة فريدة، ورأى الملك المظاهرات التى تهتف بألفاظ عدائية ضده وضد ولى العهد، وقالت ناهد رشاد فى ذلك للملك: إننا أمام بوادر خطيرة، يجب يا مولانا أن تقوم بعمل كبير يهز هذا الشعب، وسألها الملك ساخرا عن هذا العمل الكبير فأجابت: مثل أن تتنازل عن نصف أموالك للشعب حتى يلتف الشعب حول العرش، ولكن الملك ضحك ضحكة ساخرة، وبعد أيام احترقت القاهرة. وبمناسبة ميلاد ولى العهد أحمد فؤاد كانت التعليمات الصادرة من القصر أن تكون الهدايا التى تقدم إلى الملك عينية ومن الأفضل أن تكون من الذهب. ويذكر صلاح الشاهد بعض الأمثلة.. كانت هدية اللواء وحيد شوقى (بك) صينية من الذهب وبها جنيهات ذهب تحمل صورة الملك فاروق، وطلب كريم ثابت من الكنيسة المارونية التى كان ينتمى إلى طائفتها أن تقدم صينية من الذهب، وكذلك البطريركية القبطية. ويذكر صلاح الشاهد واقعة تابع تفاصيلها، وهى أن ناريمان حصلت على حكم بحضانة ابنها أحمد فؤاد- بعد عزل فاروق والفضائح التى كان يرتكبها فى منفاه بإيطاليا بتصرفاته غير الأخلاقية التى كانت تملأ صفحات من أكبر صحف أوربا- وذهبت إلى إيطاليا لتنفيذ الحكم والتعرف على ثروة الطفل، ففوجئت بأن مجوهرات الملك ما زالت موضوعة فى أكثر من سبعة صناديق من الخشب ملفوفة بورق جرائد بالية ومودعة بالجمارك بسبب خلاف بين فاروق وسلطات الجمارك الإيطالية حول الرسوم الجمركية المستحقة على هذا الحجم الهائل من المجوهرات. وعرضت القضية أمام القضاء الإيطالى، وفى ذلك أكبر دليل على أن فاروق خرج من مصر ومعه صناديق مكدسة بالمجوهرات، طبعاً من دم الشعب المصرى على عكس ما ذكرته الأميرة السابقة فريال ابنة الملك فاروق التى تعيش فى سويسرا الآن من أن الملك لم يحمل معه جواهر. ويكرر صلاح الشاهد الإشارة إلى دور كريم ثابت فى حاشية الفساد حول الملك فيقول عنه إنه شخص لا يؤمن جانبه، كان قوى التأثير على الملك ودفعه إلى التصرفات غير الأخلاقية. ويروى كيف كان الملك فاروق معزولا عن المشاعر الشعبية على عكس ما ذكره المسلسل وأقام مأدبة غداء بمناسبة (سبوع) ولى العهد لكبار رجال الجيش يوم السبت 26 يناير سنة 1952- يوم حريق القاهرة- وعند اندلاع الحرائق وامتدادها إلى أنحاء العاصمة توجه وزير الداخلية- فؤاد سراج الدين- إلى القصر لكى يطلب إنزال الجيش إلى الشارع لحماية العاصمة وكان الملك يعلم بحجم الحريق وبسبب حضور وزير الداخلية ومع ذلك جلس الوزير ساعتين ونصف الساعة إلى أن أذن له الملك بمقابلته (وهو يعلم بأن القاهرة تحترق). ويردد صلاح الشاهد السؤال الذى يحير المؤرخين إلى اليوم وهو: من الذى دبر حريق القاهرة؟ هذا الحريق الذى كانت نتيجته الأولى إجهاض المقاومة المسلحة للاحتلال التى اشتعلت فى مدن القناة وكانت حكومة الوفد تدعمها. بعد الحريق طلب الملك فرض الأحكام العرفية ثم أصدر قراره بإقالة حكومة الوفد وكان فى الحقيقة ينتظر أول فرصة للتخلص منها لأن النحاس كان عنيدا فى رفضه لاستبداد الملك، وبدأ فاروق بعد ذلك يتخبط فى القرارات والتصرفات فيعين حكومات هزيلة ليست لها شعبية، ويختار رؤساء وزارات لا دور لهم إلا (السمع والطاعة) وهكذا تحولت البلاد إلى ظلام ما بعده ظلام - على حد تعبير صلاح الشاهد- وهو يشير بأصابع الاتهام إلى القصر وإلى عناصر ذات اتصال بأمريكا! ويشير إلى ما اكتشفه وزير الداخلية (فؤاد سراج الدين) من اشتراك بعض المهيجين فى حريق القاهرة لأحداث الشغب واستعملوا لإشعال الحرائق مواد واردة من الخارج ولم تكن فى متناول هؤلاء الغوغاء والعملاء، وكان الأمر مدبرا بدقة ابتداء من مصر الجديدة إلى حلوان، والتنفيذ محكما إحكاما كبيرا، ولكن ما دور الملك؟ يشير صلاح الشاهد بإصبع الاتهام إلى الملك ويستدل على ذلك بأن المدعوين على الغداء الملكى هم جميع ضباط البوليس فى القاهرة من رتبة صاغ فما فوقها، مع 300 من ضباط الجيش بمناسبة (سبوع) ولى العهد. أى أنه لم يكن فى البلد من يملك التصرف لمنع امتداد الحرائق. ويقول صلاح الشاهد إن تصرفات الملك فاروق يوم الحريق كانت مشبوهة ومريبة، وربما كان بعض من حوله قد أفهموه بأنهم يدبرون أمرا يتيح له الإطاحة بحكومة الوفد، ومن الغريب أنه كان بإمكان الملك أن يطلب من ضباط الشرطة الانصراف من مائدة الغداء لإخماد النيران واستعادة السيطرة على الفوضى ولكنه لم يفعل ذلك بل حدث العكس، فقد جمع الضباط بعد الغداء وظل يتكلم معهم، وعندما طلب وزير الداخلية منذ البداية إنزال الجيش للاشتراك فى إخماد الحريق لم يجد استجابة، وحين ذهب الوزير إلى القصر ليطلب النجدة وجد وزير الحربية (حيدر باشا) ورئيس الديوان (حافظ عفيفى باشا) يجلسان معا وكأن شيئاً لا يحدث، وقابلا طلبه ببرود وكل منهما يدعو الآخر إلى رفع الأمر إلى (الأعتاب الملكية) ليأذن- أو لا يأذن- بنزول الجيش. ونزل الجيش ولكن لم يحرك ساكنا.. وقال وزير الحربية إنه يخشى أن ينضم الجيش إلى الجمهور الغاضب! هكذا كان الحال.. ثم نجد من يقول إن فاروق كان ضحية!! | |||
| |||
بريد الكاتب |
| |||||||||||||||||||||||
No comments:
Post a Comment