اعلانات حول العالم

اعلانات عالمية

Monday, July 21, 2008

شاهد عيان: "الملك فاروق" ضالع بـ حريق القاهرة !!









شاهد عيان: "الملك فاروق" ضالع بـ حريق القاهرة !!
20/07/2008








صدر عن "دار المعارف" كتاب "شاهد على حكم فاروق" للمؤلف مرتضى المراغى محافظ الإسكندرية الأسبق الذى تناول في مذكراته بعض مواقف الملك فاروق من خلال ما سمعه وما عاصره بنفسه .

وفى بداية الكتاب تحدث المراغى عن حريق القاهرة والأحداث التى جرت فى الإسكندرية حينها حيث كان محافظا للإسكندرية وعندما علم بالحريق سارع باتخاذ ما يستطيع من احتياطات وإجراءات لتأمين الإسكندرية بسيطرة الجيش والبوليس على مرافق المحافظة .

وأشار المراغى إلى الأحداث التى سبقت حريق القاهرة وأن الملك فاروق فى يوم 26 يناير ..يوم الحريق ..وجه دعوة إلى قائد الجيش وكبار الضباط.. واللافت للنظر فى هذه الدعوة أنها كانت عن طريق التليفون فقط ..وتساءل المؤلف هل كانت الدعوة مصادفة ؟ وبعد تناول الغذاء جاءت رسالة إلى الملك بحريق القاهرة وقال حينها للمدعوين إن هناك حوادث غريبة تحدث فى البلد .

وكان من الغريب إنقاذ الأوبرج من الحريق وهذا لأن مالكه كان من الحاشية المقربة للملك بالإضافة أن الملك كان يقضى سهراته فيه ليلا .

وذكر المراغى فى كتابه أن تقارير البوليس حول الحريق كانت متضاربة واتهمت التقارير الإخوان والشيوعيين بحريق القاهرة ولكن كان الاتهام الأكبر لأحمد حسين رئيس الحزب الاشتراكى فى ذلك الوقت كما استعرض المؤلف مذكرات أحمد حسين محاولا الدفاع عنه.

وقال المراغى إن كل الدلائل تشير أن فاروق هو الذى دبر حريق القاهرة وأشار إلى سر كراهية فاروق لحزب الوفد.


وينتقل مرتضى المراغى فى أحد فصول كتاب "شاهد على حكم فاروق" إلى حياة فاروق منذ الطفولة وكيف أصبح ضحية المرض والأب والخلافات العائلية ومستشارى السوء حيث أصيب فاروق وهو فى التاسعة من عمره بالحمى الشوكية النخاعية مما أثر عليه كذلك بالإضافة إلى الجو العائلى المضطرب الذى كان يخيم على قصر عابدين فى العلاقة بين أبيه الملك فؤاد ووالدته الملكة نازلى .


كما عاش فاروق طفولة غريبة وكان وحيدا ليس له أصدقاء يلعبون معه وكان يحب أمه بشدة وكانت تطلب منه أن يتلصص على أبيه من ثقب الباب .

ثم تناول المؤلف حياة فاروق عندما أصبح ملكا وكيف كان يتعامل مع وزرائه وإقالته للنحاس باشا ..مشيرا أنه كان يعامل الحيوانات ووصيفات قصره بسادية شديدة وكان يتلذذ بتلك الأفعال .

وتحدث الكاتب فى أحد فصول الكتاب عن حياة فاروق الخاصة ومنها أسباب طلاقه من الملكة فريدة وذهابه لشيخ الأزهر للحصول على فتوى بعدم زواجها من آخر ، وسر اصطحابه لعدد كبير من النساء فى رحلاته على الرغم من أنه لم يكن زير نساء .

وأشار إلى عقدة "4 فبراير" التى ولدت بداخله كراهية الإنجليز والشعب المصرى والنحاس وتحدث المراغى فى مذكراته عن لقاء فاروق بيوسف رشاد وزوجته وحدث هذا عندما أصيب فاروق فى حادث سيارة فى القصاصين وكان يوسف يتولى علاج الملك فاروق ومن هنا تعرف فاروق على يوسف رشاد وزوجته ناهد وبعدها أصبح يوسف شريكا دائما فى حفلات الملك وناهد وصيفة للأميرة فايزة وكان ليوسف رشاد أكبر دور فى تشكيل الحرس الحديدى الذى نجح فى قتل أمين عثمان وفشل فى اغتيال النحاس مرتين.

وأشار مرتضى المراغى فى المذكرات إلى المرأة التى استولت على فاروق وحجبت عنه رؤية الثورة التى وعدها بالزواج ثم طلب منها أن تكون وصيفة لزوجته ناريمان.


وأوضح المراغى فى نهاية هذا الفصل المتعلق بالثورة أن بعض الضباط الأحرار دخلوا فى الحرس الحديدى وأصبحوا منهم وتقربوا من يوسف رشاد ربما هذا مكنهم من أن يحموا ظهر الثورة إلى حد كبير من تحرك القصر.


وتحدث مرتضى المراغى فى كتابه "شاهد على حكم فاروق" عن لقائه بالملك فاروق ذاكرا أنه قال له إنه يعلم أن الشعب يكرهه وإنه لا يخاف الشعب لأن الجيش معه وإنه يعلم عن كل ضابط مالا يعلمه أهله عنه وإن حياته فى مصر لن تكون طويلة .

وتطرق إلى أسباب استقطاب الشيوعية لأولاد الباشاوات كما تطرق إلى انتقاد الأميرة فايزة لشقيقها الملك فاروق بقولها إنه سيقودنا إلى الخراب وكذلك تقرير كريم ثابت الذى كشف له فيه عن كل مايدور فى مصر.

وتناول بعد ذلك علاقة فاروق بالإخوان لافتا أنه كان يحب أن يظهر محبا للدين كما قدم المراغى فى مذكراته كشفا بأسماء الإخوان الذى كان سلاحا لعبد الناصر فى القبض عليهم.

وتحدث فى كتابه عن الأزمات التى حدثت بين فاروق وعلى ماهر باشا عند توليه رئاسة الوزارة ولغز إبعاد محمد نجيب عن رئاسة سلاح الحدود ولماذا طلب نجيب الهلالى منه "أى المراغى" أن يكون وزيرا للداخلية والحربية معا .

كما تناول بعض الحوادث ضد الملك فاروق وجريمة القتل التى وقعت فى منزل وصيفة القصر التى انتهت بقيدها حادث انتحار وطبع الجيش منشورات للضباط الأحرار وأسباب تغيير الوزارة 4 مرات خلال 6 أشهر كما كان هناك وزارة عمرها 24 ساعة فقط ..


مشيرا إلى الأحداث التى وقعت قبل الثورة مباشرة من خديعة "بوللى" لفاروق عندما وضع أمواله باسمه فى بنوك خارج مصر وليس باسم الملك .

وفى نهاية الكتاب , تحدث المراغى عن أن سبب وفاة فاروق يعود إلى تناوله وجبة طعام دسمة مشيرا أنه علم بذلك من خلال حديث دار بينه وبين صاحب المطعم .

جدير بالذكر أن مرتضى المراغى مؤلف الكتاب عمل معاونا بالنيابة ثم محاميا وعمل سكرتيرا لمحمد محمود باشا رئيس الوزراء كما عمل وكيلا لمحافظة القناة والإسكندرية ثم محافظا للسويس ثم مديرا لمديرية بنى سويف والقليوبية وقنا وعين في عام 1947 مديرا للأمن العام ثم وكيلا للداخلية ثم محافظا للإسكندرية ثم وزيرا للداخلية في وزارة على ماهر باشا.



المصدر : اخبار مصر

Tuesday, March 18, 2008

الملك فاروق المفترى علينا

فاروق كان ملكا وليس ملاكا (14)


فى يوم الثلاثاء 19 فبراير 1946 كان أحمد حسنين عائدا من مكتبه فى قصر عابدين كرئيس للديوان الملكى وزوجا للملكـة نازلى أم الملك فاروق، وبينما كانت سيارته تجتاز كوبرى قصر النيل فى طريقها إلى الدقى أقبلت سيارة لورى بريطانية من الجهة المضادة، ولفت نصف لفة على الكوبـرى وصدمت سيارة حسنين باشا من الخلف صدمة شديدة التفت السائق خلفه فرأى الدم يسيل من فم حسنين باشا فأوقف السيارة ونزل منها يصيح ويطلب المساعدة، وفى نفس اللحظة مرت مصادفـة سيـارة وزير الزراعـة أحمـد عبد الغفـار باشا صديق حسنين وزميله أيام الدراسة فى أكسفورد، فأسرع وحمله إلى مستشفى الانجلو القريب من مكان الحادث ولكنه أسلم الروح، فنقلـوه إلـى داره.ونشرت (أخبار اليوم) تفاصيل الحادث يوم 22 فبراير 46 فى الصفحة الأولى تحت عنوان (من المسئول عن مصرع حسنين باشا) وقالت إن وكيل النيابة أنور حبيب (المدعى الاشتراكي فى عهد الرئيس السادات) أراد توجيه بعض الأسئلة إلى الجندى البريطانى سائق اللورى فتقدم إليه ضابط انجليزي برتبة كابتن وأمره بألا يجيب، وقال لوكيل النيابة: لن أسمح بتوجيه أى سؤال إليه لأن صحته أهم لدينا من أى شىء تريدونه منه، ثم أخذ السائق معه وانطلق بسيارته. وقد أحدث تصرف الضابط البريطانى دهشة واستياء، بينما تجمعت ثلاث شهادات على أن السائق كان يسير بسرعة غير عادية، وشهد مراقب الإذاعة البريطانية فى الشرق الأوسط الذى كان يسير بسيارته فى مكان الحادث بأنه توقع حدوث كارثة عندما شاهد اندفاع اللورى واختلال توازنه فأوقف سيارته، وكان هو أول من خف إلى سيارة حسنين باشا. وقرر الخبير الذى فحص اللورى أن بها خللا فى (الدركسيون) بسبب فقد إحدى صواميله. وقيدت النيابة الحادث جنحة ضد السائق البريطانى برقم 195 جنح أجانب سنة 1946 بدائرة قسم عابدين، لأنه تسبب بغير قصد ولا تعمد فى قتل حضرة صاحب المقام الرفيع أحمد حسنين باشا، وذلك بإهماله وعدم احتياطه ومخالفته اللوائح بأن قاد سيارته بسرعة فائقة رغم تساقط المطر ولم يلزم الجانب الأيمن.***ويروى كريم ثابت المستشار الصحفى لفاروق والملازم له ليل نهار أن فاروق اتصل به فور وقوع الحادث وطلب منه أن يسرع إلى بيت حسنين باشا، وحين وصل قيل له إن الملك حضر وانصرف، وبعد قليل عاد الملك فاروق وكان بادى الانزعاج وقال لكريم ثابت: لقد جمعت بنفسى أوراقه الخصوصية هنا وفى عابدين، ويقول كريم ثابت: لاحظت أنه لا يتحسر على رائده ولا يذكره بعبارة واحدة تنم على حزنه وقال فقط: تركنا وإحنا فى عز الشغل. وبعد قليل أنعم على اسمه بالوشاح الأكبر (وشاح محمد على ) وقال: لكى يتمكنوا من تشييع جنازته عسكريا.. ولم يذرف عليه دمعة واحدة، بل بدا لى فى بعض الدلائل أن فاروق ارتاح إلى رحيله.. ويضيف كريم ثابت: بعد ذلك اصطحبنى فاروق فى سيارته وأوقفها أمام أوبرج الأهرام، ودخلت فى إثره وأنا أقول فى نفسى: إذا كان قد جاء إلى الأوبرج ليلة وفاة حسنين فما عساه فاعلا ليلة وفاتى؟ وكان نبأ مصرع حسنين قد ذاع فى العاصمة فلما رآنا الذين كانوا فى الأوبرج فى تلك الليلة لم يصدقوا أعينهم.. أما الملك فقال لكريم ثابت: لابد أن هناك مأتما آخر الليلة فى الدقى. وكانت أمه الملكة نازلى منذ خلافها معه – بسبب زواجها من أحمد حسنين – تقيم فى البيت الذى ورثته عن أبيها فى الدقى.. ثم قال فاروق: من حسن الحظ أن كل شىء انتهى الآن. ويضيف كريم ثابت: إنه قيل إن فاروق عثر بين أوراق حسنين على عقد زواج عرفى بين حسنين ونازلى ولكنه لم يطلعه عليه.ويقول كريم ثابت إن فاروق ظل يتكلم طويلا عن مأساته بسبب علاقة أمه بحسنين باشا وقال: كنت مضطرا إلى الاحتفاظ به، كان يعرف طبيعتى وسياستى واسرارى، وكنت فى البداية محتاجا إليه فى عملى ثم لم أعد فى حاجة إليه ولكنى كنت قد اعتدت العمل معه، وكان يريحنى، فظل فى خدمتى بقوة الاستمرار وكان فى عمله مطيعا ومؤدبا!***ولم يختلف أحد ممن تناولوا عصر وشخصية فاروق على أن أحمد حسنين هو الرجل الذى سيطر على عقلية فاروق وإرادته إلى درجة أنه كان هو الذى يحكم القصر، ويحكم الملك، ويحكم الملكة الأم طبعا، وكان معروفا أن من يسيطر على الأم يسهل عليه السيطرة على فاروق!عندما أرسل الملك فؤاد ابنه فاروق إلى انجلترا ليتم تعليمه فى أكتوبر 1935 اختار له أحمد حسنين ليشرف عليه أثناء إقامته هناك واعتبره (رائد الملك) وكان فاروق ما يزال فى مرحلة المراهقة لم يتجاوز السادسة عشرة من عمره، وكان المشرف على تنفيذ برنامجه الدراسى الفريق عزيز المصرى. كان عزيز المصرى ضابطا جادا بينما كان أحمد حسنين انجليزى الثقافة والسلوك وقد تعلم فى جامعة أكسفورد، وقد عرف كيف يسيطر على فاروق بأن يشجعه على السهر كل ليلة فى علب الليل فى لندن، بينما اضطر عزيز المصرى إلى أن يترك مهمته ويعود إلى مصر لكيلا يتحمل مسئولية المشاركة فى إفساد ولى العهد ملك مصر المقبل، وبذلك خلا الجو لأحمد حسنين. وكان أحمد حسنين يدين بالولاء لدولة الاحتلال التى عاش وتعلم فيها. كان اللورد ملنر هو ولى أمره فى سنوات الدراسة! وبعد عودته من لندن وإتمام دراسته فيها سنة 1914 كانت أول وظيفة له هى وظيفة السكرتير الخاص للجنرال ماكسويل الذى كان حاكما عسكريا على مصر بتوصية من اللورد ملنر. وظل إلى جانب الجنرال ماكسويل حتى انتهت الحرب العالمية الأولى فانتقل للعمل فى القصر مفتشا بوزارة الداخلية التى كانت خاضعة لإدارة الانجليز، ثم انتقل للعمل فى القصر الملكى سنة 1922 فى وظيفة (الأمين) للملك فؤاد بتوصية من السفير البريطانى – الحاكم الفعلى لمصر فى ذلك الوقت – إلى أن اختاره الملك فؤاد فى سنة 1935 ليكون رائدا لابنه فى رحلة الدراسة فى لندن التى لم يتعلم فيها فاروق شيئا، واضطر إلى قطع البرنامج بعد وفاة أبيه. وظل أحمد حسنين إلى جواره مستشارا ورائدا ومدبرا لمؤامرات القصر، ونجح فى أن يستقطب مجموعة من الصحفيين يكتبون المقالات وينشرون الأخبار التى تصور الملك فاروق فى صورة الملك الصالح الذى يتفانى فى رعاية شعبه والذى يعمل على تحقيق الاستقلال وتطهير البلاد من الاحتلال، وهكذا نجح أحمد حسنين فى خداع الشعب وخداع الملك نفسه الذى صدق الدعايات بأنه الملك الذى يحافظ على الدستور. ونجح أحمد حسنين أيضا فى الإيقاع بين الملك وبين النحاس وحزب الوفد وهو حزب الأغلبية، ونجح فى شق حزب الوفد، وشجع مكرم عبيد على الخروج من الوفد وتشكيل حزب الكتلة الوفدية وإعداد (الكتاب الأسود) للإساءة إلى النحاس وزوجته.يقول محمد التابعى – صديق أحمد حسنين – إن أحمد حسنين كان حريصا على أن يصور نفسه فى صورة (الطرطور)، ومن تحت هذا (الطرطور) كان يحكم مصر، ومثال واحد يكفى، فهو الذى قرر أن يكون حسين سرى رئيسا للوزراء بعد وفاة رئيس الوزراء حسن صبرى أثناء إلقائه خطاب العرش فى البرلمان مع أن الملك فاروق كان لايزال يتباحث مع على ماهر فى أسماء المرشحين للوزارة ولم يكن بينهم حسين سرى.خطة أحمد حسنين للسيطرة على الملك وأمه بدأت عقب وفاة الملك فؤاد. يقول الدكتور حسين حسن السكرتير الخاص للملك فاروق فى مذكراته التى أصدرتها دار الشروق بعنوان (سنوات مع الملك فاروق): (بعد انقضاء يوم الأربعين لوفاة الملك فؤاد تم انتقال الأسرة الملكية إلى الإسكندرية كعادتها سنويا، إلا أنه طرأ فى تلك السنة حادث جديد لم يسبق له مثيل من قبل وهو نزول (الرائد) فى المبنى الرئيسى لقصر المنتزه المعد لنزول أفراد الأسرة، على الرغم من وجود مبنى مستقل فى أحد أركان الحديقة لنزول من تحتم الظروف مبيته بالقصر من رجال الحاشية، وقيل فى تعليل ذلك إن واجبات (الرائد) تقتضى وجوده إلى جانب الملك الشاب فى كل لحظة مما يستدعى ملازمته له فى الإقامة).ويحكى السكرتير الخاص للملك فاروق عن رحلة فاروق مع والدته وشقيقاته الثلاث إلى أوربا وكان أحمد حسنين ملازما للملك وأمه فى هذه الرحلة التى شملت زيارة مرسيليا وجنيف، وبرن، وزيورخ، ثم لندن والعودة عن طريق باريس وفيشى. وفى بداية الرحلة همس أحد رجال الحاشية للسكرتير الخاص أنه شاهد أحمد حسنين جالسا إلى جانب الملكة نازلى فى حالة استرخاء لا يكون إلا بين من رفعت بينهم كل كلفة، وفى صباح اليوم التالى استدعى أحمد حسنين هذا الرجل وقال له: هل تعرف الحكمة لا أرى لا أسمع لا أتكلم؟ هكذا يجب أن يكون رجل الحاشية من بطانة الملوك.. ويقول السكرتير الخاص للملك: كانت تلك الواقعة هى النذير لما تطورت إليه العلاقة بين الملكة نازلى وحسنين فيما بعد، وكان يراودنا الأمل فى أن تتحرك فى نفسيهما عوامل القيم الأخلاقية متسائلين: كيف لا تتنبه الأم إلى واجبات المحافظة على اسمها وكرامتها كأم وملكة وأرملة ملك لبلد إسلامي، وكيف لا يتنبه الرجل الكبير إلى أنه زوج لسيدة لها مكانتها الكبيـرة أمهـا أميــرة كــانت زوجـة للملك فؤاد عندما كــان أميـرا وبفضـل زوجته ومكانتها توثقت صلته بالأسـرة المالكـة، فضــلا عـن أنه أب لأولاد ثلاثة، ولكن ما حدث أثبت أن الملكة نازلى كانت تستهين بكل ما يتعارض مع إرادتها.إنـه عصر ينخر فيه الفساد الأخلاقى والسياسى منــذ البــدايــة!

Sunday, March 9, 2008

الملك فاروق الجزء الثالث











 






أصيب الملك فاروق فى طفولته (وهو فى التاسعة من عمره) بالحمى الشوكية ولم يستطع طبيب القصر أن يشخِّص المرض، فتم استدعاء طبيب إيطالى شهير (البروفيسور فرجونى) ومرت فترة عصيبة بين الأمل فى الشفاء واليأس. وبعد شفائه صارح والده- الملك فؤاد- ناظر الخاصة الملكية زكى الإبراشى باشا وكان أقرب الناس إليه بأن الطبيب قال له قبل سفره إن إصابة ولى العهد كانت شديدة جداً ويخشى أن تكون قد أثّرت على المخ. وسأله الملك فؤاد: هل معنى ذلك أن قواه العقلية قد تصبح غير مكتملة، فقال له الطبيب: (قد) لا يصل الأمر إلى هذا الحد (إذا) لم تحدث مضاعفات. ثم قال الملك فؤاد لصديقه المقرب (زكى الإبراشى باشا): ستكون مصيبة لو أن المرض ترك أثرا على عقل ولى عهدى، وهو الصبى الوحيد المؤهل لولاية العرش من ذريتى، وآخر مولود جاء نبتا، ولم تبق فى البندقية خرطوشة أخرى!
ولكى يخفف الصديق عن الملك همومه قال له: لى أمل أن يحاط الأمير حين يتولى الملك بعد عمر طويل لجلالتكم بحاشية عاقلة ومخلصة ومستشارين يسهِّلون عليه مهمة الحكم. فعلق الملك ساخرا: حاشية عاقلة ومخلصة يا زكى؟! إن الحاشية لو كانت عاقلة فلن تكون مخلصة، ولو كانت مخلصة فهى ليست عاقلة وأقصى ما تصل إليه أن تكون منافقة!!
هذه الواقعة رواها زكى الإبراشى باشا ناظر الخاصة الملكية أقرب الناس إلى الملك فؤاد لكل من محمد محمود باشا رئيس الوزراء، والشيخ مصطفى المراغى شيخ الأزهر ونقلها عنهما مرتضى المراغى باشا- وزير الداخلية فى عهد فاروق وهو ابن الشيخ المراغى- فى مذكراته (شاهد على حكم فاروق) التى أصدرت دار المعارف طبعة جديدة لها منذ أيام.
ومذكرات مرتضى المراغى باشا لها أهمية كبيرة أولاً لأن الرجل مشهود له بالاستقامة والنزاهة. كان سكرتيرا خاصا لرئيس الوزراء (محمد محمود باشا). وكان ميرا للأمن العام، ثم وكيلا لوزارة الداخلية، ثم محافظا للإسكندرية وأخيرا كان وزيرا للداخلية يوم 27 يناير 1952- اليوم التالى لحريق القاهرة- وهو كما يقول عنه الأستاذ صلاح منتصر فى مقدمته للمذكرات: كان الوزير الذى كان عليه أن يعرف ما كان يجرى فى الخفاء بصرف النظر عن فساد الحكم أو صحته.
يقول مرتضى المراغى إن فاروق كان ضحية عوامل عديدة منها مرضه فى طفولته، والجو العائلى المضطرب بين أبيه وأمه الذى كان يخيم على قصر عابدين، وإصرار أبيه على رفض أن تكون تربيته تربية مصرية خالصة، وحرمانه من اللعب مع أطفال مصريين، كل ذلك ترك فى نفسه آثارا ترسبت فى عقله الباطن. ثم تم إرساله إلى بريطانيا ليتعلم فيها وهو صغير السن (16 سنة) وكان أحمد حسنين هو المسئول عن توجيهه لكنه عمل على إرضاء نزوات ولى العهد أكثر من حرصه على دراسته، ثم جلس فاروق على العرش وهو لم يكمل الثامنة عشرة من عمره ووجد كبار البلد ينحنون له، وعظماء مصر يقبِّلون يده، وزيِّن له مستشاره السياسى على ماهر باشا الخروج على الأعراف الدستورية والسياسية والأخلاقية منذ الشهور الأولى لحكمه.
لم ينشأ فاروق نشأة سوية، فقد التصق بأمه وكره والده لقسوته البالغة وغيرته الهوجاء على الملكة، فلم يكن ينقضى يوم من غير أن يشتمها بل إنه ضربها يوما أمام ابنها، ولم يكن فاروق يرى والده إلا نادرا، وكانت أمه ترسله لكى يتلصص على أبيه من ثقب الباب ويستمع إلى ما يدور بينه وبين مديرة القصر التى كانت للملك فؤاد علاقة خاصة معها.
ولم أكن أصدق ما ذكره كريم ثابت أقرب الناس إلى الملك فاروق عن النزعة السادية لفاروق مع الحيوانات ومع الناس أيضا، فقد ذكر كريم ثابت أن فاروق كان يشعر بتلذذ حين يقتل القطط والكلاب، أو وهو يطفئ سيجارة فى ذراع إحدى صديقاته، ولكن مرتضى المراغى يؤكد هذه النزعة السادية فى مذكراته ويصف حالته بأنها (نزعة سادية مروعة)، ويقول إن فاروق كان يراهن على قتل الحمامة فى دقيقة واحدة بأن يغرس إبرة طويلة فى رأسها، وكان يدوس القطط بسيارته حتى إنه كان يصعد الرصيف إذا حاولت الهرب ويعرض نفسه للاصطدام بالحائط ويحكى أيضا أن فاروق طلب من إحدى وصيفات القصر أن تغمض عينيها ووضع عليها شريطا لاصقا ثم أمرها بفتح عينيها فلم تستطع وأخذت تتوسل إليه وفجأة نزع الشريطين وصرخت الوصيفة من شدة الألم وعندما ذهبت إلى المرآة وجدت أن رموشها طارت!
ويقول بعد ذلك إن هذه النزعة السادية ظهرت فى تكوين الحرس الحديدى الذى كان تحت إشرافه وكان يكلفه باغتيال خصومه. والغريب- كما يقول مرتضى المراغى- أن فاروق كان يعامل كبار رجال الدولة والدين بالاحترام، وكان يقبِّل يد أمه ولا يجلس إلا بعد أن تجلس ويتقبِّل منها عبارات التوبيخ الشديدة بأدب. وظلت حالة ازدواج الشخصية معه حتى آخر لحظة من حياته.
ويحكى مرتضى المراغى- الذى كان بحكم عمله يعلم أسرار الدولة- عن سيدة يقول إنها لعبت دورا مؤثرا فى تاريخ مصر، كانت وصيفة فى القصر بعد طلاق فاروق لزوجته الملكة فريدة، وأصبحت بسرعة أحب الشخصيات إلى فاروق لجمالها وذكائها وجرأتها. وكان فاروق يصحبها فى نادى السيارات وفى رحلات الصيد وفى رحلاته على اليخت الملكى (فخر البحار) إلى فرنسا وإيطاليا وقبرص ورودس، وأوحى إليها أنه يمكن أن يأمر زوجها بأن يطلقها ويتزوجها هو، وظلت بعد ذلك تحلم بأن تصبح ملكة مصر، ولكن فاروق اختار ناريمان فتحولت هذه السيدة التى لم يشأ مرتضى المراغى أن يرمز اسمها الحقيقى واختار أن يرمز لها باسم (نهى)- تحولت إلى الانتقام من فاروق من موقعها كوصيفة فى القصر.. أصبحت على علاقة بأحد الضباط كان يسلمها منشورات الضباط الأحرار فتضعها فى ملف (البوستة) على مكتب الملك. وكانت وزارة الداخلية تراقب تليفون هذه السيدة وتليفون الضابط الذى أصبح رفيقها، وكان نص المكالمات بينهما يعرض على مرتضى المراغى بصفته وزير الداخلية، ويقول مرتضى المراغى: (عن طريق هذه المكالمات استطعت أن أجمع الكثير من المعلومات وأعرف الكثير من الأسرار الخافية علىّ والتى لم يكن من الممكن أن أعرفها إلا بهذه الوسيلة.. أدركت أن الملك تتصرف فيه هذه المرأة ويطاوعها فى كل ما تشير به كما كان قائد الجيش يتقبل توجيهاتها) وهذه قصة ليس هذا وقتها. يكفى أن نشير إلى واقعة غيرت مجرى التاريخ.
فقد رصدت أجهزة الداخلية تجمعات لعدد من صغار الضباط يوم 22 يوليو 1952، وأراد وزير الداخلية مرتضى المراغى إبلاغ الملك ولكن الملك كان يعوم فى البحر (فى الإسكندرية) مع هذه السيدة، فاضطر إلى إبلاغ أحد الأمناء فى القصر بما لديه من معلومات، وفى المساء اتصل به هذا الأمين وأبلغه بأن الملك يطلب منه الاتصال بوزير الحربية أو القائد العام حيدر باشا، ثم علم مرتضى المراغى بعد ذلك أن هذه السيدة أقنعت فاروق بأن وزارة الداخلية تريد الإيقاع بينه وبين الجيش باختلاق القصص عن نشاط بعض الضباط.. كان ذلك فى الوقت الذى كانت فيه الترتيبات لقيام الثورة قد انتهت تقريبا.. وقالت له أيضا: إن وزير الداخلية لن يتركه فى راحة أبدا.. يريد أن يجعلك تصطدم بالجيش والجيش موالٍٍ لك.. واتصل وزير الداخلية بوزير الحربية (يوم 22 يوليو 1952) فوجده فى رحلة صيد وعندما عاد فى المساء أخبره بمعلومات عن تحرك بعض الضباط، فاتصل وزير الحربية (إسماعيل شيرين زوج أخت فاروق) بالقائد العام حيدر باشا فقال له: إن ضباط البوليس يخالطون الحشاشين ولهذا يتخيلون مثلهم خيالات عن انقلابات.
وفى مساء 15 أبريل 1952 توجه فاروق إلى منزل هذه السيدة ليتناول العشاء ويلعب القمار مع بعض أصدقائه، وعند مدخل البيت أطق شخص النار على فاروق فأصاب أنطون بولى فى ساقه وكان يسبق فاروق بخطوات، وأخفى الملك عن وزارة الداخلية هذا الحادث، ولكنه طلب تعيين حارسين أحدهما أمام بيت (نهى) والآخر وراء سور البيت، ولكن وزير الداخلية- مرتضى المراغى- علم بالحادث وأن الضابط (صديقها) غادر منزله فى التاسعة صباحا وأخبر (نهى) أنه سيخرج للنزهة، فقالت له (إن شاء الله ترجع بالسلامة)، وقابلت (نهى) الضابط فى اليوم التالى فى منزله.
ويضيف مرتضى المراغى أن التحريات أفادته بأن الضباط الأحرار يطبعون منشورات فى مطبعة فى ثكنة فرقة المشاة فى المعادى فأمر بمراقبة هذه الثكنات من الخارج، فوجدوا أن هذا الضابط (اليوزباشى مصطفى) واليوزباشى خالد وهما ليسا من ضباط الفرقة يترددان على الثكنات ثم يخرجان بعد فترة ومعها حقيبتان فتأكد من صحة المعلومات التى وصلته، فلم يخطر القائد العام للجيش (الفريق محمد حيدر) لأنه كان يقول دائما عن حركة الضباط الأحرار إنها (لعب عيال) ولن يقبل أن يصله الخبر من وزارة الداخلية بدل أن يصل إليه من مخابراته العسكرية، فأمر رجال البوليس بتفتيش الثكنات مستعملا سلطته كوزير للحربية فى ذلك الوقت بالإضافة إلى كونه وزير الخارجية. وفعلاً تم ضبط المطبعة والمنشورات وجاء فيها (يا ضباط الجيش ثوروا على الملك الخائن وحكومته العميلة للاستعمار. اقضوا عليهم. إن عهد الطاغية يجب أن يزول، ورأسه يجب أن يسحق). وكانت النتيجة أن (نهى) أقنعت الملك والفريق حيدر بأن مرتضى المراغى قام بإجراء خطير بإرسال البوليس إلى ثكنات الجيش، وفى اليوم التالى أخلى سبيل الضباط، وكان نصيب وزير الداخلية التوبيخ من الملك لأن الوزير هو الذى يجب محاسبته، أما الضباط فردد الملك ما قالته (نهى) من أنه (لعب عيال).
 




 







فى الوقت الذى كانت الصحافة فى أوربا تنشر فضائح الملك فاروق كانت الصحافة المصرية تنشر على لسان كبار رجـال الدولة عبارات الثناء والمديح للملك الصالح، أمير المؤمنين، وقدوة المسلمين، وكان بعضهم يعـلم أن فاروق يقضى أيامه فى جزيرة كابـرى الايطالية بين موائـد القمار والنساء، كان يقول فى خطبـة رسميـة: إننى أرنـو إلى بقعة طاهرة حيث المليك المفدى لأرفع إلى أعتابه الملكية آيات الولاء و.. و.. الخ.
أما ما نشرته الصحف الأوروبية فكان شيئا مخزيا..
فى رحلته الأولى فى سنة 1946 إلى جزيرة قبرص على اليخت الملكى (فخر البحار) وكان على موعد مع ممثلة السينما ليليان كوهين التى اشتهرت بجمالها وباسمها الفنى (كاميليا) التى احترقت بعد ذلك فى حادث طائرة.
وكان فاروق وقتها فى بداية علاقته بها، وحاول إخفاء شخصيته عن الصحافة وعن السياسيين الأوربيين فذهب متنكرا ولكنه لم يكد يصل إلى هناك حتى كانت عدسات المصورين ومندوبى وكالات الأنباء قد تابعت كل خطواته وتنشر أخبار وصور سهراته، ولم تمض ساعات على وصوله حتى كان كل أهل الجزيرة قد عرفوا أن ملك مصر يقضى لياليه فيها وأصبحت مباذله على كل لسان.. فترك قبرص إلى تركيا ظنا منه أن السرية سوف تنجح فيها، ولكنه فور وصوله كانت وكالة أنباء رويتر قد أذاعت نبأ وصوله. وبينما كان فاروق يقضى أيامه فى اللهو غير البرئ كان مجلس الوزراء فى مصر برئاسة إسماعيل صدقى باشا يواجه أزمة بين رئيس الوزراء وعدد من الوزراء، وكانت المفاوضات المصرية البريطانية حول الجلاء تتعثر، وكانت الأوضاع السياسية فى البلاد تقتضى أن يكون الملك موجودا. وراحت البرقيات تتوالى من القصر على اليخت الملكى تناشد الملك سرعة العودة ولكنه فضل أن يستمر مع أحدث عشيقاته ضاربا عرض البحر بالأزمة الوزارية وبالأزمة السياسية وبنظرات الناس له كلما رأوه فى مواقف لا تليق برجل محترم. واضطر رئيس الوزراء إلى إخطار الملك بأنه مضطر للاستقالة إذا لم يعد إلى مصر فورا لتولى مسئوليته كملك، لكن فاروق لم يشأ أن يقطع السعادة التى كان يعيش فيها فأرسل إلى رئيس الوزراء يستدعيه لمقابلته فى منتصف الطريق.. فى جزيرة رودس.. وترك كاميليا فى قبرص على أمل ألا يعلم رئيس الوزراء بوجودها، وبالطبع كان رئيس الوزراء أول من يعلم. وفى مقابلة الملك لرئيس الوزراء فى رودس وقع فاروق عددا من أخطر المراسيم الملكية.. منها مرسوم بالتعديل الوزارى الذى اقترحه رئيس الوزراء، ومرسوم بإنشاء مجلس الدولة وتعيين محمد كامل مرسى باشا رئيسا له، ومرسوم بتعيين مستشارى مجلس الدولة، ومرسوم بالحركة القضائية. وقد وقع هذه المراسيم على ظهر اليخت الملكى بناء على فتوى بأنه لا يجوز أن يوقع الملك على ارض أجنبية مراسيم تتعلق بالدولة، ولكن اليخت الملكى يعتبر أرضا مصرية وبذلك تكتسب هذه المراسيم الشرعية الدستورية!
***
وكانت رحلته الثانية فى صيف 1950 إلى إيطاليا وفرنسا، وكان قد طلق زوجته الملكة فريدة فى 17 نوفمبر 1948 وذهب بجواز سفر باسم (فؤاد باشا المصرى)، ولكنه كان يظهر فى أندية القمار والأندية الليلية مع النساء وكأنه قد أصابه الجنون فجأة. ويصف الدكتور محمد حسين هيكل (رئيس حزب الأحرار الدستوريين ورئيس الوزراء ورئيس مجلس الشيوخ الأسبق والمؤرخ الكبير) هذه الرحلة فيقول فى كتابه الشهير (مذكرات فى السياسة المصرية – الجزء الثانى) : بعد أيام من صدور مراسيم 17 يونيو الشهيرة أعلنت الصحف أن الملك سيسافر إلى أوروبا متنكرا باسم فؤاد باشا المصرى. فلما كان بفرنسا جعل مقره الرئيسى فى مصيف دوفيل، وجعل نادى هذه المدينة مكان سمره وسهره ولعبه القمار كما كان الحال فى نادى السيارات بالقاهرة. وما لبثت غانيات باريس، والفاتنات الدوليات – حين عرفن ذلك – أن هرع عدد كبير منهن إلى دوفيل، مؤمنات بأن ملك مصر يريد أن يقضى صيفه فى مرح ومسرة، وزادهن إيمانا أن دعيت الراقصة المصرية سامية جمال إلى دوفيل لتبعث برقصاتها إلى هذا المجتمع المصرى الفرنسى الدولى النعمة والنعيم!
ويستكمل الدكتور هيكل حديثه قائلا: (وأوفدت صحف فرنسا وصحف أوربا وصحف أمريكا مراسليها إلى المدينة الرافلة فى حلل هذه البهجة الغناء لموافاتها بأنباء الملك الشرقى المغامر. وأخذت الصحف فى أرجاء العالم تنشر أنباء الملايين التى يكسبها أو يخسرها فاروق على مائدة القمار، ما فتح العيون فى العالمين القديم والجديد على هذا الملك الشاب الذى أعاد فى القرن العشرين، وفى قلب أوروبا، صورا أعجب مئات المرات من صور ألف ليلة وليلة. وانتهزت الصحف هذه الفرصة للتشهير بملك مصر، ولم تكتف بما راحت تنشره من أنباء الملك فى دوفيل بل لجأت إلى حياته الخاصة فجعلت منها مادة زادت بها استهتار الملك بروزا ووضوحا، واثر ما نشرته الصحف حتى كان المصريون المصطافون بأوروبا يخجلون فلا يذكرون جنسيتهم لمن يسأل عنها، وقد لمست ذلك بنفسى، إذ كنت بباريس عائدا من مؤتمر الاتحاد البرلمانى الدولى الذى عقد ذلك العام فى دبلن عاصمة ايرلندا، فقد أطلعت فى مجموعة الصحف الفرنسية عند أحد أصدقائى الفرنسيين على طائفة من المقالات والصور التى نشرت عن فاروق فطأطأت رأسى. واطلعت كذلك على بعض المجلات الأمريكية فإذا هى تنشر عن حوادث فاروق وتصفه بأقبح الصفات. ورأيت فى بعض مسارح باريس تعريضا بالملك ومغامراته يندى لها الجبين. وسمعت من بعض معارفى - رجال وسيدات – ما ووجهوا به حين عرف محدثوهم أنهم مصريون، فآثرت ألا أتعرض لمثل ما تعرضوا له. وزاد الطين بله أن كانت الصحف الأوربية والأمريكية تنشر عن التحقيقات التى كانت تجرى فى مصر عن الأسلحة والذخيرة الفاسدة التى اشتريت للجيش المصرى المحارب فى فلسطين، مما يندى له الجبين. كانت صحف أوربا تنشر من التفاصيل الخاصة بهذا التحقيق ما يزيد الدعاية ضد الملك وضد مصر إثارة لنفس كل من يتابعها، وما يجعل المصريين المقيمين بباريس وبأوربا يطأطئون رؤوسهم خزيا وخجلا).
***
وذلك ما سجله الدكتور هيكل عن فضائح فاروق. وينقل الأستاذ حلمى سلام فى كتابه (أيامه الأخيرة – قصة ملك باع نفسه للشيطان) بعض عناوين الصحف.. صحيفة (فرانس بريس) تقول: (فاروق ينتزع النصر فى السباق فى دوفيل ويخسر أربعة ملايين ونصف مليون فرنك فى نصف ساعة) .. وصحيفة (بارى بريس) تقول: (ألف ليلة وليلة فى دوفيل – الملك فاروق بين البيجوم أغاخان ومدام كحيل ومدام كريم ثابت) وصحيفة (فرانس بريس) تقول: (اشترى فاروق بعض المجوهرات الثمينة من محلات (فان كليف) ولكن لم يعرف بعد من التى ستفوز بهذه المجوهرات – هل ستكون سامية جمال هى الفائزة أو الراقصة (سيرين أوجيمونا) أو المغنية (آنى برييه). إنه على كل حال يحمل المجوهرات فى جيب سترته الأيمن، ويقال إن (سونيا) عارضة الأزياء فى محلات (كارفن) ستكون هى الفائزة بهذه المجوهرات) وصحيفة (رادار) تقول: (إن فاروق له راقصة مفضلة تماما مثل الملك هيرودس فى التاريخ القديم، أما سالومى الحديثة فاسمها سامية جمال، وقد شهدت دوفيل فى ليلة من ليالى الشرق الساخنة سامية جمال وهى ترقص حافية القدمين فى ثوب مطرز بالفضة، وقد أرسلت شعرها يصرخ فى الهواء).
يقول الأستاذ حلمى سلام إن فضيحة الفضائح التى نشرتها جميع الصحف فكانت بطلتها فتاة أمريكية فى السادسة عشرة من عمرها اسمها (ميمى ميدار) ابنة أحد الأثرياء الأمريكيين الذين ساقهم قدرهم إلى الاصطياف فى دوفيل أثناء وجود فاروق بها، وقعت عينه عليها فى صالة الفندق، وحدث أن انفرد بها فى مصعد الفندق فهاجمها ولم تستطع أن تقاومه وكانت تلك فضيحة صارخة، ونشرتها جميع الصحف، لكن ذلك لم يمنع الملك فاروق من إرسال الزهور كل صباح إلى غرفة الفتاة.
وقبيل عودته من هذه الرحلة حصلت مجلة (روز اليوسف) على صورة الفتاة الأمريكية ونشرتها فى عددها الصادر يوم 26 سبتمبر 1950 وتحتها الخبر التالى: (يتحدث المصريون العائدون من أوربا عن الآنسة (ميمى ميدار) وهى آنسة أمريكية فى السادسة عشرة من عمرها وابنة أحد كبار أصحاب مصانع الصلب فى ولاية (ميسورى) بأمريكا. وقد وجهت إلى الآنسة (ميمى) أكثر من دعوة لزيارة مصر ولكنها لم تقرر بعد قبول أى دعوة منها.. كما نشرت (روز اليوسف) فى الصفحة المقابلة من نفس العدد صورة أخرى للفتاة فى وضع آخر وتحتها: (الآنسة ميمى عند وصولها إلى مطار لندن لتكمل دراستها فى جامعات انجلترا، بعد أن قامت برحلة فى أوربا بصحبة والديها، وقد أعلنت أنها فقدت حقيبتين من حقائبها فى مدينتى (سان سيستيان) و(بيارتز) وهما حقيبتا ملابسها، وأشارت ميمى إلى (السويتر) الذى كان ترتديه وقالت للصحفيين: هذا كل ما أملكه الآن من ملابس).. وتحرك فى الناس الفضول عن السر وراء هذه الفتاة التى تنشر المجلة صورتها مرتين فى عدد واحد.. وطبعا انتشرت الفضيحة نقلا عن العالمين بالسر.. ثم عادت روز اليوسف يوم 28 أغسطس 1951 – بعد 11 شهرا – فنشرت صورة الفتاة تحت عنوان بارز لخبر يقول: (البرقية التى اهتمت بها الأوساط المصرية: (بعثت الآنسة ميمى ميدار صباح 18 أغسطس ببرقية إلى القاهرة باسم شخصيـة مصـرية كبيرة تقول فيها إنها أنجبت ولدا جميل الطلعة..وكان من المنتظر أن تزور (ميمى) القاهرة فى شتاء هـذا العـام، ولكـن حدثت ظـروف قـد تحـول دون دخولهـا الأراضـى المصريـة إلى الأبــد).. ولم تعـد الفضيحة خافية على أحد.











  




 






تزوج فاروق الملكة فريدةيوم 20 يناير 1938 وكان اسمها صافيناز بنت يوسف ذو الفقار وكيل محكمة الاستئناف المختلط، وكان عمره وقتها 18 سنة، وكان يحبها وأنجب منها ثلاث بنات هن فريال وفوزية وفادية، ولكن حاشية السوء فتحت أمامه الأبواب للانطلاق من قيود الزوجية فصار يعود إلى القصر فى الفجر والملكة فى انتظاره دون أن يبالى بالذهاب إلى غرفتها، وتمادى فى نزواته علنا دون مراعاة لوجود زوجته فى القصر وعيون الخدم وموظفى القصر لا تغفل عنه لحظة.
وفى ليلة خرجت فريدة من غرفتها فرأت امرأة تعرفها تخرج من غرفة الملك، وفى يوم كانت فريدة تلعب التنس فى ملعب حديقة القصر، فدخل فاروق غرفة مكتبه ومعه مطلقة أحد الأمراء وشاهدته الملكة فريدة فى وضع مخل فكانت هذه هى القشة التى قصمت ظهر البعير.
قبل ذلك كانت المشاجرات بينهما تصل إلى حد الشتائم على مسمع من الخدم بسبب استهتاره حينا، وبسبب إنجاب فريدة للبنات وهو يتحرق شوقا إلى طفل ذكر ليكون ولى العهد ويبعد شبح الأمير محمد على ولى العهد الذى كان يطمع فى العرش حتى فى وجود فاروق على الرغم من عدم إجادته للغة العربية وجهله فى الأمور السياسية.. وكانت الحاشية قد بدأت تشير أمام فاروق بعبارات مبهمة أن فريدة لا تبالى برضا أو غضب الملك، ثم أخذوا يلمحون إلى اتهامها بعلاقة مع ضابط إنجليزى.. وكانت فريدة عنيدة ولا تهتم بأن تدافع عن نفسها، وظل فاروق يتمادى فى علاقاته النسائية ليغيظها، ولم تأت سنة 1944 حتى كانت القطيعة قد تمت بين فاروق وفريدة فلا لقاء بينهما، ولا سلام ولا كلام، كما يقول كريم ثابت الذى كان شبه مقيم فى القصر ليل نهار، وفاتح رائده ورئيس الديوان الملكى وزوج أمه (أحمد حسنين) برغبته فى الطلاق، ولم تكن فريدة أقل منه رغبة فى الطلاق.. وحاول حسنين أن يقنع فريدة بالتساهل ولكن مساعيه باءت بالفشل، فلم يلتق الملك والملكة بعد ذلك إلا فى الحفلات التى كانت تقام بمناسبة أعياد ميلاد بناتهما فكانا يتبادلان التحية ثم يقف كل منهما فى جانب بعيدا عن الآخر.
ويقول عبد الرحمن الرافعى إن طلاق فريدة التى كان الشعب يحبها من الأسباب التى أساءت إلى مكانة الملك وجعلت الألسنة تلوك أنباء استهتاره.
فى هذه الفترة واجه فاروق حملة شديدة من الرى العام، وأخذ كل بيت فى مصر يردد أن الملك يسهر ويلهو والملكة محبوسة فى القصر.
وفى يوم فى شهر نوفمبر 1948 استدعى فاروق شيخ الأزهر (الشيخ مصطفى المراغى والد مرتضى المراغى الذى يروى هذه الواقعة عن والده) وطلب منه أن يصدر فتوى تحرّم على فريدة الزواج ثانية بعد طلاقها، فقال له الشيخ: كيف أصدر فتوى تخالف الشرع.. اعتبرنى مستقيلا حتى تجد شيخا آخر يصدر هذه الفتوى، وحاول فاروق أن يجد أحدا من رجال الدين يصدر تلك الفتوى فلم يجد مع أنه وجد فى مناسبة أخرى أحد كبار الشيوخ يصدر فتوى بأن فاروق (التركى الأصل) من نسل النبى صلى الله عليه وسلم، وفتوى أخرى بأنه (خليفة المسلمين).
ومن الغريب - وكما يروى مرتضى المراغى فى مذكراته - أن الشيخ المراغى قضى فترة مرضه الأخير فى مستشفى المواساة فى الإسكندرية كان يكتب خلالها الفصول الأخيرة من مذكراته حتى انتهى منها، وكان أبناؤه يعلمون بأمر هذه المذكرات- ومنهم طبعا مرتضى المراغى- كما كان مدير المستشفى يعلم بها أيضا وكان يعتبر من حاشية الملك، ومات الشيخ المراغى فجأة واكتشف أبناؤه اختفاء هذه المذكرات، ثم علم مرتضى المراغى بوسائله فى وزارة الداخلية أن فاروق كان أول من علم بنبأ وفاة الشيخ وأنه أسرع إلى المستشفى ودخل غرفة الشيخ للصلاة عليه، وأغلق الباب عليه وليس معه غير أحد مرافقيه، ثم خرجا وبعدها اكتشفوا اختفاء مذكرات شيخ الأزهر الذى كان يضيق بتصرفات فاروق وباستهتاره ويختلف معه فى كثير من المواقف.
لم يدم زواج فاروق بفريدة أكثر من عشر سنوات، وفى يوم الطلاق 17 نوفمبر 1948 أذاع ديوان الملك بيانا قال فيه: (شاءت إرادة الله أحكم الحاكمين أن تنفصم عرى رابطة مقدسة بين زوجين كريمين، فوجه حضرة صاحب الجلالة الملك المعظم فاروق الأول وحضرة صاحبة الجلالة الملكة فريدة مع ما يشعر به من أسف إلى الرغبة فى الانفصال بالطلاق، وتحقيقا لهذه الرغبة فقد أصدر جلالة الملك الإشهار الشرعى بذلك فى يوم الأربعاء 16 من المحرم 1368 الموافق 17 نوفمبر 1948، والديوان إذ يعلن هذا ليرجو من الله جل وعلا أن يهيئ من فضله وكرمه لحضرة صاحب الجلالة الملك المعظم ما تقر به عين البلاد وتسعد.
وكان هذا الطلاق بداية النهاية، وبعده سار فاروق إلى نهايته بخطوات سريعة، ولم يدرك خطورة الغضب الشعبى الذى يتراكم طبقة فوق طبقة، وكان طلاقه للملكة المحبوبة من الشعب من أهم عوامل الغضب الذى أضيفت إليه عوامل أخرى كثيرة.
???
وكانت قصة زواجه من ناريمان هى الأخرى من عوامل الغضب الشعبى، لأن الشعب لم يغفر لملكه أنه (خطف) البنت الصغيرة الجميلة من خطيبها.
تزوج فاروق للمرة الثانية فى 6 مايو 1951 من ناريمان بنت حسين فهمى صادق سكرتير عام وزارة المواصلات.. ويقول عبدالرحمن الرافعى إن زواجه بها أشبه بحادثة من حوادث خطف النساء التى تروى عن الملوك والأمراء فى العصور الوسطى، فقد اختارها على الرغم من أنها كانت مخطوبة فعلا للدكتور محمد زكى هاشم وكان وقتها مندوبا بمجلس الدولة، وكان الدكتور محمد زكى هاشم قد اتفق مع ناريمان وأسرتها على الزفاف وتم إرسال بطاقات الدعوة لحفل الزواج، لكن فاروق- بناء على اقتراح أحمد نجيب الجواهرجى- ذهب إلى محل الجواهرجى الذى دعاه لاختيار (الشبكة) وأعجبته، فأمرها وأمر والديها بفسخ الخطبة وقطع صلاتها بخطيبها، وأعلن أنه سيخبطها، ولم يصدق الناس ذلك لما ينطوى عليه اِلأمر من دلائل الخطف والغصب وأعلن القصر نبأ الخطبة الملكية يوم 11 فبراير 1951 وتم الزواج يوم 6 مايو 1951، وفى يوم الزفاف صدرت صحيفة اللواء الجديد وفيها مقال عنوانه (الملكة فى طريقها إلى المقصلة) وكان المقال عن ملكة فرنسا مارى انطوانيت، ولكن كل من قرأ المقال فهم المقصود بالعنوان وتوقيت النشر.
وتصور بعض الناس أن هذا الزواج سيكون بداية حياة جديدة يتخلص فيها من مفاسده، ولكن حياته بعد الزواج ظلت كما كانت قبله باستهتاره وظهوره فى الأماكن العامة مع نساء لا يليق بملك أن يجلس معهن.
وفى يوليو 1951 قام برحلة (شهر العسل) مع ناريمان على ظهر اليخت الملكى (فخر البحار) متوجها إلى كابرى. وهناك نسى فاروق عروسه وشهر العسل ليقضى ليله ونهاره فى صحبة نساء من كل نوع وعلى موائد القمار، ونشرت صحيفة (امباير نيوز) البريطانية فى أول يوليو موضوعا قالت فيه: (لم يحدث فى تاريخ العالم أن تعرض ملك لمثل ما تعرض له فاروق من حملات النقد والتجريح، فهو متهم بأنه طاغية يحيط نفسه بجو فاسد مفضوح، ومتهم بأنه خطف زوجته الجديدة- ناريمان صادق- من بين ذراعى خطيبها، ومتهم أنه طلق زوجته الأولى- فريدة- لأِنها لم تلد له ولدا، ومتهم بأنه مقامر سفيه لا يكاد يمضى يوم دون أن يتلقى سيلا من الرسائل المفزعة المهينة- وأكثرها من انجلترا.
وكتبت صحيفة (صنداى اكسبريس) يوم 29 يوليو 1951 (لم يسبق أن شهد العصر الحديث مثل هذا البذخ والإسراف خلال الشهرين اللذين انقضيا على شهر العسل الذى يمضيه الملك فاروق مع عروسه).
ففى كل يوم تخرج آلاف الجنيهات وقد دفع 700 ألف جنيه لشراء قطار خاص و500 ألف جنيه دفعها لبناء يخت جديد.. وقد بدأ السيل المتدفق للأموال من يوم 7 يونيو يوم وصول اليخت الملكى إلى جزيرة صقلية التى أقام فيها ستة أيام إلى واصل الرحلة إلى كابرى، وكتبت صحيفة (الديلى أمريكان) الأمريكية: (استأجر فاروق فندق قصر أغسطس بأكمله ويتكون من 150 غرفة). وقالت مجلة (باراد): (يقضى فاروق فى أوروبا أعظم شهر عسل عرفه القرن العشرين، وفى كل ليلة بينما زوجته الصغيرة تنام نوما هادئا فى فندق كارلتون يكون هو غارقا لأذنيه فى لعب (البكاراة) و(الروليت) وفى دفع آلاف الدولارات إلى المائدة، وقد علق على خسارته بقوله: (الناس يقولون إننى أخسر أموالا كثيرة فى اللعب، ولكنى أملك أكثر مما يتصورون) وأضافت المجلة: (لقد أصبح مألوفا فى أوروبا كلها منظر هذا الملك الذى لا يعنيه إلا أن يقضى أوقاتا بهيجة يدفع ثمنها ملايين التعساء من أبناء مصر) وصحف أخرى ترددت فيها أوصاف ملك مصر بأنه بلغ من السفه والتحدى لمشاعر الشعب حدا لم يصل إليه شارل الأول ملك انجلترا الذى شنقه شعبه، ولا لويس السادس عشر ملك فرنسا الذى قطعت الثورة الفرنسية رأسه بالمقصلة، ومعه عنق زوجته مارى انطوانيت.
وفضائح هذه الرحلة تستحق ألا ينساها المصريون!





ليس من الصعب أن نكتشف أن شخصية الملك فاروق غير سوية، وأنه كان يعانى من عقدة نفسية تكونت فى الطفولة وازدادت تغلغلاً فى نفسه مع الأيام والسنين. كانت لديه عقدة نفسية من قسوة أبيه وحرمانه من حنان الأب كسائر الأطفال. وعقدة نفسية أخرى هى التى يسميها علماء النفس عقدة أوديب فى إشارة إلى التراجيديا التى أبدعها شكسبير عن الملك أوديب الذى قتل أباه وأحب أمه وتزوجها دون أن يعرف أن هذا أباه وأن هذه أمه، وعندما عرف الحقيقة فقأ عينيه وهام على وجهة والشعور بالذنب يكاد يقتله. عقدة فاروق أنه أحب أمه (الملكة نازلى) فى طفولته وتعلق بها، وتعلقت هى أيضاً به لأنه الولد الوحيد، ولأنها أفرغت عواطفها عليه تعويضاً عن قسوة الزوج وانشغاله بعشيقاته والحكم عليها بالسجن تقريبا فى جناحها بقصر القبة لمدة سبعة عشر عاماً.
والملكة نازلى – كما يذكر الزميل حنفى المحلاوى فى كتابه (الملكة نازلى بين سجن الحريم وكرسى العرش) الذى أصدرته الدار المصرية اللبنانية – تمتد جذورها إلى الدماء الفرنسية والتركية. جدها الأكبر سليمان باشا الفرنساوى الذى أعلن إسلامه وتزوج امرأة مسلمة واستقر فى مصر بصفة نهائية. وجدها الثانى لأمها شريف باشا (أبو الدساتير المصرية) التركى الأصل ابن قاضى عسكر السلطنة العثمانية. والدها عبد الرحيم صبرى تزوج ابنة شريف باشا رئيس وزراء مصر الأسبق، وكان محافظاً للمنوفية، ولما تولى (السلطان) فؤاد (الملك فؤاد بعد ذلك) اختاره محافظاً للقاهرة، وقبيل زواج (السلطان) فؤاد من نازلى اختاره وزيراً للزراعة.
ارتبطت حياة الملكة نازلى بخمسة رجال. سعيد زغلول ابن أخت الزعيم سعد زغلول أول حب فى حياتها. السلطان أحمد فؤاد أول الأزواج. اللواء عمر فتحى كبير الياوران. أحمد حسنين باشا رئيس الديوان الملكى رائد الملك فاروق ومستشاره الأول الذى تزوجها زواجاً عرفياً بعد قصة حب ملتهبة طلق زوجته وأم أولاده بسببها، وتسببت هذه العلاقة بين نازلى وأحمد حسنين فى أزمة نفسية لفاروق لأن (الفضيحة) كانت على كل لسان فى طول البلاد وعرضها، ولأن فاروق كان يحب أمه ويغار عليها، ولأنه كان يعتمد على أحمد حسنين وهو العقل المدبر لمواقفه وسياساته ولا يستطيع أن يستغنى عنه، كما لا يستطيع أن يقف أمام جموح أمه. وأخيراً رياض غالى الشاب المسيحى الذى كان يعمل فى السفارة المصرية فى واشنطن وله قصة أغرب من الخيال مع نازلى وابنتها الأميرة فتحية انتهت بنهاية مأساوية.
كانت نازلى هى الزوجة الثانية للملك فؤاد، أما الزوجة الأولى فكانت الأميرة شويكار التى تزوجها سنة 1895 وطلقها سنة 1898 وظل بدون زوجة عشرين عاما إلى أن تزوج نازلى فى مايو 1919 وكان عمره (51) عاماً وكانت نازلى فى الخامسة والعشرين (من مواليد 1894).
أما عمر فتحى فكان ضابطا فى حرس السلطان حسين كامل، وبتوجيهات من الملكة نازلى أصبح الياور الخاص لابنها فاروق سنة 1937 ثم أصبح كبيراً للياوران سنة 1941 برتبة لواء. كان متزوجاً من سيدة من وصيفات الملكة نازلى وانفصل عنها سنة 1953 قبل وفاته بسنتين (سنة 1955) وكان فى الخامسة والستين، وينقل حنفى المحلاوى عن محمد التابعى أن الملكة نازلى (بقيت سجينة القصر سبعة عشر عاماً، وأخيراً مات سجانها الملك فؤاد، وانطلقت بشراهة ونهم تطفئ نار الظمأ الذى أحرق حشاها السنوات الطوال).. وكثر الهمس.. وذكرت أسماء بعض ضباط الحرس وموظفى القصر.. ثم تركزت حول اسمين هما أحمد حسنين والياور (البكباشى فى ذلك الوقت) عمر فتحى، وبعد فترة انسحب عمر فتحى ليترك نازلى لأحمد حسنين.
أما قصتها مع أحمد حسنين فكانت حديث الصالونات إلى أن طلق أحمد حسنين زوجته وأم أولاده وهى ابنة الأميرة شويكار زوجة الملك فؤاد السابقة، وتزوج نازلى زواجا عرفيا بعد أن وجدت نازلى أن زوجها رسميا يفقدها لقب الملكة والجلوس على كرسى العرش إلى جانب ابنها الملك، وأكد أحمد حسنين لمن حوله أن علاقته بنازلى لم تكن حبا ولكن كانت حرصا منه على إرضاء نزواتها، ولأنها ملكة مصر وأم ملك مصر وصاحبة النفوذ الأكبر لدى ابنها!
كان زواج الملك فؤاد من نازلى فى سنة الثورة واشتعال البلاد، ومن فتاة سمعتها ليست فوق الشبهات مما جعل بيرم التونسى يصدر مجلة باسم (المسلة) بدون ترخيص ويكتب تحت اسمها (المسلة لا جريدة ولا مجلة) وكتب فيها أنشودة ذاعت على ألسنة الناس يقول فيها:
البنت ماشيه من زمان تتمخطر
والعقلة زارع فى الديوان قرع أخضر
يا راكبا الفيتون وقلبك حامى
اسبق على القبة وطير قدامى
تلقى العروس شبه محمل شامى
وجوزها يشبه فى الشوارب عنتر
***
الوزة من قبل الفرح مدبوحة
والعطفة من قبل النظام مفتوحة
ولما جات تتجوز المفضوحة
قلت اسكتوا وخلوا البنات تتستر
وفى القصيدة يلمح بيرم إلى أن فاروق ولد قبل مضى تسعة أشهر على الزواج بقوله:
ياباديشاه ده أنت ابنك ظهر
ربك يبارك لك فى عمر الغلام
نزل يلعلط تحت برج القمر
يا خسارة بس الشهر كان مش تمام
وكلمة (باديشاه) معناها السلطان.
عاشت نازلى فى قصر عابدين حياة غريبة.. كانت كبيرة الوصيفات تتحكم فى تحركاتها ومقابلاتها وهى مدام جوزيف أصلان قطاوى باشا سيدة يهودية كانت فيما سبق (صديقة حميمة) للملك فؤاد.. وكانت المربية الانجليزية (مسز نايلور) الصارمة هى التى تحكم نظام تربية وتعليم الأطفال وكانت سلطتها فى القصر وكلمتها تفوق سلطة الملكة، ولم يكن للملكة رأى فى تعليم أبنائها ولا يسمح لها برؤيتهم أكثر من ساعة تقريباً كل يوم حتى لا يتعطلوا عن دراستهم. ولم تكن الملكة نازلى تخرج من القصر إلا لمشاهدة عروض الأوبرا فى موسم الشتاء، وفى الاستقبالات والمناسبات الرسمية فقط.
وينقل حنفى المحلاوى عن كتاب الأستاذ محمد التابعى (من أسرار الساسة والسياسة): "لم تمض سوى أسابيع قليلة على وفاة الزوج عام 1936 حتى كثر الهمس بين موظفى القصر والأوساط الخاصة المتصلة به بأن السجينة حطمت قيودها وانطلقت وهى لا تزال فى ثوب الحداد تمرح وتحاول تعويض ما فاتها من الحياة ومتعها، وكانت السجينة هى الملكة نازلى التى كانت تقول لكل من يقابلها وتأمن جانبه: أنا سجينة الملك فؤاد"
بدأت نازلى فور وفاة الملك فؤاد بالتخلص من رجاله ونسائه فى القصر، وتفرغت أولاً لتدبير الأمور لضمان جلوس ابنها على العرش وفى نفس الوقت أصبحت على علاقة مع رجلين فى القصر هما عمر فتحى كبير الياوران الذى انسحب مبكرا ليخلى الطريق إلى الرجل الثانى أحمد حسنين.. وبقى عمر فتحى حريصا على أن يكون وجوده فى حدود وظيفته.. أما أحمد حسنين فكان من طراز آخر.. فهو خريج جامعة اكسفورد أشهر جامعة فى بريطانيا، وعمل سكرتيرا فى السفارة البريطانية بالقاهرة ثم مفتشا بوزارة الداخلية ثم سكرتيرا فى سفارة مصر فى واشنطن ثم الأمين الأول للملك فؤاد ورائد فاروق ولى العهد وأمير الصعيد، ثم الأمين الأول لفاروق حين تولى العرش ثم رئيس الديوان الملكى وظل يمسك بخيوط السياسة المصرية بين عامى 1940 و 1946. وقضى عشر سنوات مع الملكة نازلى من وفاة الملك فؤاد سنة 1936 إلى وفاته هو فى حادث اصطدام سيارة يقودها عسكرى انجليزى بسيارته على كوبرى قصر النيل فى 19 فبراير سنة 1946. وخلال هذه السنوات العشر أصبح أحمد حسنين الزوج الثانى للملكة الأم.
ولكن أحمد حسنين عاش قصة حب بدأت سنة 1940 مع المطربة أسمهان، واستطاع أن يجمع بين الاثنتين مما جعل ناظر الخاصة الملكية مراد محسن باشا يقول إن حسنين باشا كان أخطر رجل فى مصر.. وهو ممثل يجيد التمثيل أفضل من يوسف وهبى.. وأنا لا أنسى يوم جاءتنى الملكة نازلى تقول إنها تحب حسنين ولا تستطيع الحياة بدونه، وأنها تعسة لأن حسنين صارحها بأنه لا يستطيع أن يقربها لأنه لا يحب الحرام.. ولقد دهشت من هذا التصرف من حسنين فأنا أعرفه جيداً وأعرف أنه فى حياته الخاصة ليس شيخ الأزهر، ولكن حسنين كان يمثل دورا، وكانت النتيجة أن ازداد حب الملكة..فهو رجل يجد ملكة بين يديه ويرفض أن يقربها.. وذات يوم قالت له: أنا أعطيك انذارا نهائياً، وإما أن تعاملنى كامرأة، وإما سأقطع كل علاقة بيننا وأفعل ما أشاء، وأجاب حسنين – وهو يتظاهر بالبكاء – إنه لا يستطيع أن يقربها إلا إذا تزوجها.. ثم أسرع يقول: غير معقول أن أتزوج الملكة، وهنا صاحت الملكة نازلى: طظ فى لقب الملكة، ولكن حسنين قال إن جلالة الملك سيطردنى وأنا أفقر من أن أعيش على معاشى. قالت الملكة نازلى أنا مستعدة لأن أضع ثروتى كلها بين يديك.. وهناك قالت الملكة نازلى إذن سأذهب إلى فاروق وأقول له إننى سأتزوجك. قال حسنين: اذهبى.. ولكنه سيرفض.
وكانت مقابلة عاصفة بين الملكة الأم وابنها، قال لها فاروق فى نهايتها: رافقيه أحسن، قالت إنه يرفض. قال سأصدر إليه أمرا ملكياً.. ولعل فاروق كان يسخر من أمه.
ويختتم مراد محسن باشا شهادته بقوله: وعلى أى حال فإنه لم يفاتح حسنين فى هذا الموضوع، وكان طبيعيا أننى أعتقد أن الملك سوف يغضب ويحقد على حسنين ويطرده.. ولكن شيئا من هذا لم يحدث!
وهذه ليست كل القصة.







استمرت علاقة الملكة نازلى- أم فاروق- بأحمد حسنين رئيس الديوان الملكى- أكثر من تسع سنوات، ولم تكن هذه هى العلاقة الأولى أو الأخيرة فى سجل نزواتها.. ففى سنة 1942 اشتد الخلاف بينها وبين فاروق بسبب علاقتها بأحمد حسنين، فسافرت إلى القدس ونزلت فى فندق الملك داود، وهناك انتشرت القصص عن فضائحها مع رجال مختلفين من العرب والأجانب، يقول صلاح الشاهد الذى كان قريبا من القصر ومطبخ السياسة: إن فاروق استدعى النحاس باشا وقال له: إن والدتى تحبك وتحب زينب هانم- زوجة النحاس- وأرجو أن تسافر لإحضارها..
وسافر النحاس وقرينته إلى القدس وأقاما فى الفندق أسبوعا يحاول إقناع نازلى بالعودة، فاشترطت أن تستقبل فى محطة مصر استقبالا رسميا، وأن يكون الملك نفسه فى استقبالها على رصيف المحطة، ووعدها النحاس بذلك، وعاد النحاس وقرينته إلى القاهرة وأبلغ الملك فأصر على ألا يذهب إلى المحطة والاكتفاء باستقبال الرسميين وتشريفة الحرس الملكى لها.
لكنه عاد ووافق على مطالبها وذهب لاستقبالها على رصيف المحطة، ولكن الفضائح التى كانت تنشرها الصحف الأجنبية عن نزوات الملكة الأم كانت تصل إلى السياسيين والصحفيين فى القاهرة، وكانت من المعاول التى أدت إلى تصدع النظام فيما بعد.
***
ولم تكن نازلى وحدها التى انتشرت فضائحها فى العالم، ولكن الفضائح شملت الأسرة الملكية كلها.. يقول المؤرخ الكبير عبدالرحمن الرافعى: اجتمع إلى مساوئ فاروق فى الحكم ظهور الفضائح بين أفراد عائلته وأقرب الناس إليه.. وكانت هذه الفضائح-قبل فاروق- موجودة فى نطاق ضيق بحيث لم يلق الكثيرون بالهم إليها، أما فى عهده فقد تفاقمت الفضائح وصارت موضع أحاديث الخاصة والعامة، ولعل مسلك فاروق الشخصى كان مغريا ومشجعا لأفراد عائلته، على الاستهتار وعدم المبالاة، وكان هو قدوة سيئة لهم، ففى عهده تزوجت عدة أميرات من رجال أجانب وهجرن مصر وأقمن مع أزواجهن فى أوروبا وأمريكا، ومعظم-الأزواج- كانوامن الأفاقين ونهازى الفرص، فساءت سمعة أسرة محمد على بين الشعب، ولم تحافظ والدته نازلى على سمعتها.
ولكن السنوات التالية لوفاة أحمد حسنين شهدت من الفضائح ما جعل الشعور بالخجل سائدا بين المصريين.
فقد سافرت نازلى إلى أوروبا، وقد عزمت على ألا تعود إلى مصر لكى تعيش على حريتها، وعند وصولها إلى مارسيليا قابلت أفاقا يدعى رياض غالى كان أمينا للمحفوظات بقنصلية مصر فى مارسيليا، وكلفته القنصلية ليكون فى خدمة الملكة، وليشرف على نقل حقائبها، وبسرعة تحول إلى عشيق جديد للملكة، وظل يلازمها ليل نهار، وحين سافرت إلى سويسرا وفرنسا وانجلترا ثم استقرت فى أمريكا ظلت تصحبه معها.
ووصلت إلى مصر أنباء الفضيحة الجديدة فطلبت وزارة الخارجية من رياض غالى العودة إلى عمله فى مارسيليا فرفض الإذعان لطلب الوزارة، فقررت الوزارة إحالته إلى المعاش، فاستبقته نازلى فى خدمتها، وادعت أنه (السكرتير الخاص) وعوضته أضعاف مرتبه.
وبعد ذلك دوت فى العالم أنباء أكبر فضيحة تناقلتها الصحافة الأمريكية والأوروبية رياض غالى- المغامر المسيحى- أصبح العاشق للملكة الأم ولابنتها- الأميرة فتحية- فى نفس الوقت، وكانت هذه العلاقة الشاذة هى الختام المأساوى لقصة ملكة لم تحترم العرش الذى جلست عليه، ولم تراع كرامة البلد الذى تنتمى إليه.. بل لم تحترم شيخوختها حتى حين وصلت إلى سن الثمانين.. بل لم تراع حالتها الصحية، وهى تعانى فى سنوات الإقامة فى أمريكا من مرض فى الكلى، اضطرت إلى إجراء جراحة لاستئصال إحدى الكليتين.
كان رياض غالى الشاب الوسيم مسيحيا فى الثلاثين من عمره، حكى بنفسه بداية علاقته بالملكة نازلى فى حديث مع زميلنا الراحل جميل عارف لمجلة المصور نشرته فى عدد 7 يناير 1971 فقال: (طيلة إقامة الملكة وابنتها الأميرة فتحية والأميرة فائقة فى مارسيليا لم أحظ بمقابلتهن.. وفى صبيحة يوم سفر الملكة استدعانى القنصل وكلفنى بحمل البريد الذى ورد باسم الملكة إلى جناحها فى الفندق، دعتنى الملكة للجلوس وسألتنى عن اسمى وأسرتى وعملى وثقافتى.. وعندما وصلت إلى دار القنصلية علمت أن الملكة اتصلت بالقنصل ليتخذ الإجراءات لانتدابى لمرافقتها إلى الولايات المتحدة.
***
وبدأت الأنباء تتردد فى أوروبا ووصلت إلى الشارع فى القاهرة عن علاقة الملكة الأم بعاشق جديد، ومن جنيف وصل تقرير سرى إلى فاروق فى 25 أكتوبر 1946 وفيه (سافرت الملكة نازلى إلى جنوب فرنسا، وقد لوحظ أنها سلمت رياض غالى كل أموالها.. وجعلته المتصرف فيها).
وينقل حنفى المحلاوى فى كتابه عن الملكة نازلى بعض البرقيات والتقارير التى وصلت إلى الملك ومازالت محفوظة فى أرشيف قصر عابدين ومنها مثلا: نيس 3 نوفمبر 1946- شوهدت الملكة نازلى مع رياض غالى فى المعرض، وكانت تتحدث معه بغير كلفة،واشترت روائح عطرية مختلفة، وكانت تضع بعضها على أنفه ليشم الرائحة.. باريس 17 نوفمبر 1946 وصلت الملكة نازلى إلى هنا وحجزت غرفة لرياض غالى فى فندق (بلانتزا أتينيه) بجوار جناحها.. باريس 20 نوفمبر 46- كان رياض غالى يصطحب الملكة نازلى فى ذهابها إلى الخياطات لشراء الفساتين الجديدة.. باريس 22 نوفمبر 46- شوهدت الملكة نازلى فى مسرح (الكازينو دى بارى) ومعها رياض وكان يجلس بينها وبين الأميرة فتحية.. وبعد ذلك خرجوا إلى مطعم فى الحى اللاتينى وتناولوا العشاء. باريس 27 نوفمبر 1946- شوهد رياض غالى فى البنك يودع فيه مبلغا طائلا باسمه، كما شوهد فى نفس اليوم يقود سيارة ومعه الملكة والأميرتان. جنيف 7 أبريل 1947 لوحظ أن الملكة تتناول إفطارها فى الفندق يوميا مع رياض غالى وهو الحاكم بأمره فى الحاشية الملكية، ويبدى أفراد الحاشية استياءهم لنفوذه الذى يزداد وسيطرته الكاملة على الملكة. جنيف 27 أبريل 1947، قالت الملكة نازلى إنها إذا أرادت أن تختار بين صداقتها لرياض غالى وابنها فاروق فإنها تختار صداقة رياض غالى.. لندن 7 مايو 1947، قالت الملكة نازلى اليوم إنها لا تريد العودة إلى مصر لأن جلالة الملك ينظر إلى رياض غالى نظرة شك.. لندن 8 مايو 1947، قالت الملكة نازلى إنها ستهاجر إلى أمريكا وأنه معروض على رياض غالى مناصب كبيرة فى شركات مالية وصناعية فى أمريكا وأنه يستطيع أن يكون مليونيرا إذا أراد، ولكنه فضل أن يكون فى خدمتها.. لندن 11 مايو 1947 يقول رجال البوليس السرى الذين كلفتهم السفارة بأن يتولوا حراسة الملكة نازلى إن رياض غالى هو المتصرف فى شئونها.. وإن الأميرتين قبل سفرهما مع الملكة لم تكونا لتستطيعا شراء أى شىء إلا بإذنه وبموافقته.. وعندما كان يمرض رياض غالى كانت الملكة هى التى تقوم برعايته.
وفى منتصف مايو 1947 هاجرت الملكة نازلى إلى أمريكا.. واستقال رياض غالى من عمله فى وزارة الخارجية ليتفرغ للملكة وابنتها فتحية وأقام معها فى فيلا اشترتها نازلى فى بيفرلى هيلز فى هوليوود أرقى أحياء أمريكا.. وأجريت لها ثلاث عمليات جراحية إحداها لاستئصال الكلى اليمنى. وفى حديث صحفى قال رياض غالى: ذات يوم جمعتنى الظروف بالأميرة فتحية وكنا بمفردنا وحدث ما كنت أخشاه، فقد صارحتنى بحبها لى، فقلت: مستحيل أنت أميرة وأنا لا شىء..
واستدعتنى الملكة نازلى ذات يوم وإذا بها تفاجئنى بقولها اسمع يا رياض، أنا أعرف ما يدور وراء ظهرى بينك وبين فتحية.. فقلت: لقد فكرت فى هذا الموضوع وقررت إشهار إسلامى، فقالت: على بركة الله، واستدعت ابنتها فتحية واستقبلتها بقبلة وهنأتها.. وأمام تعنت الملك فاروق فيما أقدمنا عليه قررنا أن نضعه أمام الأمر الواقع بعدما سمعنا بثورته وتهديده لنا جميعا فحددنا موعدا للزواج، ولكن فاروق ازداد هياجا وثورة.. بل هددنى بأنه سوف يقتلنى بنفسه إن رآنى.
فى أواخر أبريل 1950 طلب فاروق من النحاس باشا أن يستخدم نفوذه لدى الملكة نازلى لمنع هذا الزواج بأى ثمن، واتصل الناس بها، وقال لها: (ثقى أن هذا الزواج سيكون أول مسمار فى عرش ابنك، وأول مسمار فى نعشه).
ووصلت التهديدات إلى أسرة رياض غالى، ورفضت السفارة المصرية فى واشنطن تجديد جواز سفره.. وفى أوائل مايو 1950 عقد الزواج المدنى فى سان فرانسسكو بين رياض غالى و(الأميرة) فتحية.
وطلب فاروق أن تنشر الصحف قصة هذا الزواج بالتفصيل كما طلب من الرقابة عدم حذف أى شىء فيها.. وأمر مجلس البلاط برئاسة الأمير محمد على بالاجتماع للنظر فى أمر الملكة الأم والأميرة وقرر مجلس البلاط رفض زواج فتحية من رياض وتجريدها هى وأمها الملكة نازلى من امتيازاتهما الملكية، فلم تعد الملكة ملكة ولم تعد الأميرة أميرة، ومصادرة أملاكهما وأموالهما فى مصر.
الفصل الأخير فى يوم 9 ديسمبر 1976 أطلق رياض غالى الرصاص على الأميرة فتحية وقتلها بعد إدمانه الخمر والمخدرات، وحاول الانتحار بإطلاق الرصاص على رأسه، ولكنه لم يمت وحكم عليه بالسجن 15 عاما.. ومات رياض غالى.. ثم ماتت الملكة نازلى عام 1978 وعمرها 83 سنة ودفن الثلاثة فى إحدى كنائس لوس انجلوس، فقد ماتوا على المذهب المسيحى الكاثوليكى.. بعد أن تبددت الثروة وعاشوا حياة الفقر.. ولم يترحم أحد عليهم فى مصر وكل ما قيل: إن الله يمهل ولا يهمل.

الملك فاروق الجزء الثانى





















فى إحدى الليالى اصطحب الملك فاروق معه فى سيارته إحدى خليلاته وقصد بها إلى طريق السويس وأوقف السيارة فى مكان فى الصحراء. وتصادف أن كان بعض ضباط بوليس الآداب يطاردون السيارات التى يشتبهون فى أمرها، وكان يرافقهم صحفى ومصور لإعداد تحقيق لصحيفته عن جهود البوليس، وأبصروا فى طريقهم سيارة الملك دون ان يعرفوا صاحبها، فاتجهوا نحوها وسلطوا عليها أنوار سيارتهم ونزل المصور بسرعة ليصور ما يجرى داخل السيارة، ولم يجد الملك وسيلة لإبعادهم إلا بأن أطلق عيارين ناريين من مسدسه، فاكتشفوا الحقيقة وعادوا مهرولين!.
هذه القصة يرويها كريم ثابت أقرب الناس إلى الملك فاروق، وقد ظل يلازمه عشر سنوات ليل نهار. سمع القصة من الملك نفسه الذى رواها له وختمها بقوله: الإنسان لا يستطيع أن يتمتع بشىء من الحرية حتى فى وسط الصحراء!.
هكذا كانت تصرفات صاحب الجلالة المصرى فاروق الأول ملك مصر والقائد الأعلى للجيش المصرى!!.
حكم مصر 19 عاماً، وكان يتكلم العامية ويقرأ اللغة العربية ويفهمها وإن كان يغيب عنه معنى بعض الألفاظ، واللغة العربية المقصودة هى الصحف والمجلات والأوراق الحكومية لا أكثر، ولكنه كان يخطئ فى تشكيل معظم الكلمات، أما الكتابة باللغة العربية الفصحى فكان يجهلها تماماً ما عدا بعض عبارات حفظها عن ظهر قلب. ومن يصدق أن ملك مصر كان يكلف (الشمشرجية) بكتابة تأشيراته على المذكرات والأوراق الرسمية التى كانت ترفع إليه من الديوان الملكى ومن سائر مؤسسات الدولة، وكان مستوى الشمشرجية ضعيفاً بالطبع ولكن مستواه كان أضعف.. ومن يرجع إلى الوثائق المحفوظة فى قصر عابدين يجد أن التأشيرات التى كتبها بخط يده اقتصرت دائماً على كلمتين أو ثلاث كلمات، وهذه الكلمات ثابتة لا تتغير، فإن غيرها أخطأ فى الهجاء حتماً، وكل تأشيرة تزيد على ثلاث كلمات مكتوبة بخط الشمشرجية. والمعروف أن خطه باللغة العربية كان كخط التلاميذ المبتدئين أو أقرب إلى خط الأجانب الذين يتعلمون اللغة العربية.
ولم يكن ذلك سراً، بل كان جميع رؤساء الديوان الملكى المتعاقبين وكبار رجال القصر يعلمون أن التأشيرات التى ينفذون ما فيها من أوامر وتعليمات مكتوبة بخط الشمشرجية. ولهذا السبب استمر فاروق فى تكليف رئيس الوزراء بتلاوة خطاب العرش فى البرلمان كما كان يفعل أبوه الملك فؤاد الذى كان لا يعرف كيف ينطق اللغة العربية الفصحى، وكذلك كان فاروق يخشى أن يظهر عجزه إذا قرأ خطاباً طويلاً باللغة العربية الفصحى، أما خطبته التى كانت تذاع بالراديو فكان يحرص على أن تكون قصيرة، ويُشكَل له كل حرف من حروفها، وترسم له علامة ظاهرة فى موضع كل وقف، وكان يقضى وقتاً طويلاً فى التمرين على تلاوتها، ويحرص على وجود سعيد لطفى باشا أثناء التسجيل لينبهه إلى أخطائه فى نطق الكلمات، وبالرغم من كل هذه التدابير كانت الخطبة يعاد تسجيلها أكثر من مرة بسبب الأخطاء فى نطق بعض كلماتها، وحتى الخطب التى أذيعت بعد كل هذه المحاولات لم تكن تخلو من خطأ أو اثنين وكان يرفض إعادة التسجيل، ولم يكن أحد يلح عليه بتكرارها لثقة الجميع بأن المرة التالية لن تكون أفضل من سابقتها، وقد امتنع فاروق فى السنوات الأخيرة عن تسجيل أحاديث للراديو تخلصاً من العناء الذى كان يلاقيه فى تسجيلها. وعندما استقبل ممثلى الدول العربية أثناء حرب فلسطين طلب من كريم ثابت أن يكتب الكلمة التى سيلقيها أمامهم. ثم طلب من إبراهيم عبد الهادى باشا رئيس الديوان الملكى فى ذلك الوقت أن يلقيها نيابة عنه. وكان ملك مصر يجيد الحديث بثلاث لغات هى الانجليزية والفرنسية والإيطالية ولا يجيد الحديث ولا الكتابة باللغة العربية! وكانت أحاديث بناته معه باللغة الفرنسية!.
لم يكمل تعليمه
والسبب فى ذلك أن والده – الملك فؤاد – مات ولا يزال تعليم فاروق ناقصاً، كان فى السادسة عشرة من عمره، وسعى إلى معالجة ذلك بالقراءة ولكنه توقف عن القراءة بعد أن أصبح وقته مشغولاً بالقمار وأصبحت قراءته مقصورة على التقارير المهمة والقصيرة وعلى المجلات الخفيفة ويحصل على المعلومات من أحاديث زواره وأصدقائه، وفى فترة مبكرة بعد توليته كان يزور من وقت لآخر الدكتور دريتون المدير السابق للمتحف المصرى ليحدثه عن تاريخ مصر القديم وآثار مصر الفرعونية ولكن فاروق لم يستمر فى ذلك طويلاً، لأنه كان يفضل الحصول على معلوماته من أحاديث من يجالسهم. وعندما زار بعض بلدان أوروبا فى صيف 1950 ثم فى صيف 1951 اقترح عليه كريم ثابت أن يزور بعض المتاحف والمؤسسات الثقافية ولكنه رفض وفضل أن يقضى وقته فى أندية القمار والكباريهات. كذلك انقطع عن القيام بالرحلات الصحراوية والبحرية التى كان يقوم بها، وصار القمار شغله الشاغل وعمله الوحيد كما يقول كريم ثابت. وحتى السينما فكان لا يشاهدها إلا عرضا على الرغم من وجود الفنيين والمعدات اللازمة لعرض الأفلام فى القصور الملكية. وحكى الياس اندراوس وكان صديقا للملك ومستشاره الاقتصادى- وأحد الذين شاركوا فى إفساده- أن آخر مرة شاهد فيها السينما كانت فى قصر القبة، وكانت ناريمان وبعض قريباتها يشاهدن فيلماً جديداً فى قاعة السينما فدخل عليهن – مع إلياس اندراوس باشا- وطلب منهن الانصراف وأمر بعرض فيلم كارتون (ميكى ماوس).
كذلك لم يحضر فاروق خلال السنوات العشر الأخيرة من حكمه سوى مسرحيات تعد على أصابع اليد. وكانت التقاليد تضطره إلى افتتاح موسم الأوبرا رسمياً فكان يذهب متبرماً متأففاً ويفلت من هذا «الواجب» فى بعض الأحيان. وإذا ذهب لا يبقى حتى النهاية وينصرف فى منتصف العرض بحجة كثرة المسئوليات، ويكمل السهرة حول مائدة القمار، أو فى أحد الأندية الليلية.. وكان يكره الموسيقى الكلاسيك.. ويضيف كريم ثابت إن الملك فاروق لم يكن ذوقه فى الفنون الجميلة ينم عن ثقافة عالية أو روح فنية، ولم يهتم يوماً باقتناء لوحة فنية أو تمثال نادر.
ويحكى كريم ثابت أنه فى ليلة واحدة صحبه الملك فاروق إلى فندق شبرد ثم إلى كباريه «حلمية» ثم إلى كباريه «الاسكارابيه» وانتهت السهرة قبيل الفجر، ولم يستطع كريم ثابت طبعاً أن يفسر لماذا كان يكرر التردد على أكثر من ملهى فى الليلة الواحدة.
لقد عاش فاروق سنوات عمره الأولى وهو لا يصاحب إلا الخدم إلى أن بلغ الخامسة عشرة من عمره وسافر إلى إنجلترا ليكمل تعليمه، ولم يكمله لوفاة والده وعودته لتولى الحكم وهو فى السادسة عشرة صغير السن وبلا خبرة ولا تعليم، وفى انجلترا لم يتفرغ للدراسة ولكنه استسلم لإغراء أحمد حسنين باشا الذى كان يرافقه فى قضاء السهرات فى الملاهى الليلية.
ملك لا يعرف بلده!
ومن الغريب أن الملك الذى كان يحكم مصر لم يكن يعلم شيئا عن بلده حين جلس على العرش. فمن يصدق أن «الأمير فاروق ولى العهد» لم يزر الأهرام أول مرة إلا وهو فى الخامسة عشرة من عمره، ولولا سفره إلى انجلترا للتعليم لما ذهب لمشاهدة الأهرام. فقد تقرر أن يزور بعض المعالم خشية أن يسأله أحد فى انجلترا عنها فيقول إنه لم يزرها أو أن يسأله أحد عن آثار توت عنخ أمون فيقول إنه لم يرها لأنه لم يزر المتحف المصرى، أو أن يُسأل هل شاهد أسدًا فيقول إنه لم يزر حديقة الحيوان، ومع ذلك فلم يشاهد من مصر قبل سفره سوى الأهرام والمتحف وحديقة الحيوان، وحتى بعثته فى انجلترا لم تكتمل فقد عاد بعد بضعة أشهر لوفاة والده. وهكذا تولى العرش وليست لديه ثقافة أو خبرة بالدنيا أو معرفة بالبلد الذى يحكمه.
وعن سلوكه الشخصى يقول كريم ثابت إن الملك فاروق كان يستولى على الأموال التى تصل إليه ليوجهها إلى المشروعات الاجتماعية، وذلك بعد أن بدأ يهرب أمواله إلى الخارج لينفق منها على لعب القمار، ويحكى قصصاً كثيرة جداً عن تصرفاته فى الاستيلاء على ما يعجبه فى بيوت من يزورهم ومنها أنه أعجبته نجفة فى بيت ناريمان أثناء فترة الخطبة فقال لوالدها: أرسلها إلىَّ غداً وذات ليلة أقام فاروق مأدبة عشاء خاصة فى أوبرج الأهرام وكان من بين المدعوين رجل أعمال أمريكى يدعى «المستر ريدكر» وأثناء العشاء أخرج هذا الضيف من جيبه علبة سجائر من الذهب وولاعة من طرازها، وأبدى الحاضرون إعجابهم بهما فقال إنها هدية من زوجته قبل أن تموت فى حادث طائرة، وبعد انتهاء السهرة وفى طريق العودة اكتشف الضيف اختفاء علبة السجائر والولاعة وعاد إلى الأوبرج للبحث عنها دون جدوى، ولم يخطر على باله أن الملك هو الذى أخذهما خلسة.. ويذكر كريم ثابت حالات كثيرة متشابهة.. وحتى شقيقته (الامبراطورة فوزية) عندما عادت إلى مصر استقبلها فى مطار الإسكندرية وأمر خدمه بأن يجمعوا حقائبها فى حجرة معينة، وبينما كانت مشغولة بالحديث مع شقيقتها فائزة كان هو مشغولاً بفتح الحقائب والاستيلاء على ما يعجبه فيها، وعندما تعذر عليه فتح بعض الحقائب بما عنده من مفاتيح لم يتردد فى كسر أقفالها.. ولم تفتح فوزية فمها بعد أن همس أحد الخدم فى أذنها بأن «مولانا» هو الذى فعل ذلك، وقالت بعد ذلك لبعض صديقاتها إن الذى آلمها أكثر أنها رأت بعض صديقات فاروق يلبس بعض ما أخذه من حقائبها.. وحتى خليلاته كان يسرق منهن مجوهرات ليهديها إلى غيرهن وهذا ما اكتشفته إحداهن عندما أهداها الملك علبة «بودرة» من الذهب ومحلاة بأحجار كريمة واكتشفت أن عليها حرفين لاسم سيدة أخرى تعرفها وتعرف أنها من خليلاته!.
حكايات.. فضائح.. يخجل الإنسان من أن يقول إن هذا كان ملك مصر.. هل تريدون المزيد؟!.. ما يزال هناك الكثير!

 

 

الحكايات الصغيرة تكشف عن شخصية وعقلية آخر ملك كان يحكم مصر.
لما كان فاروق فى مدينة دوفيل بفرنسا فى صيف 1950 كانت تتردد على البارات امرأة أسبانية من بنات الهوى، ولمحها الملك فاروق فى الكازينو تحوم حول المائدة التى كان يجلس إليها، وكنت جالسا فى بهو الفندق فشاهدت هذه الأسبانية تهبط السلم على مهل فى زهو وخيلاء، فالتفت إلىّ صحفى إنجليزى كان جالسا مع زميل له على مقربة منى وقال لى: لقد أمضت ما كان باقيا من ساعات الليل وهذا الصباح مع الملك فاروق، وقال آخر: لم يكن هناك ما يدعو الملك إلى استقبالها فى حجرة غير حجرته حجزها فى آخر الطرقة، ولما اجتمعت بفاروق قال لى: لقد أمضيت هذه الليلة خارج الفندق، فقلت له: فى الحجرة رقم (1) مع فلانة، ولما قلت له كيف عرفت ذلك قال: لم أقابلها فى حجرتى حتى لا ترى ما فيها وتستطيع أن تستشهد بوصفه إذا أرادت أن تتكلم، أما الآن فلا دليل عندها على انها كانت عندى!
وفى هذه الرحلة نزل فاروق فى مارسيليا واستقل هو والحاشية السيارات فى الطريق إلى دوفيل، وقرر فجأة أن يقضى ليلة فى فندق بمدينة أوكسير، بينما تعطلت لسيارة الشمشرجى والحلاق الخاص ومعهما الحقيبة التى وضعا فيها معدات الحلاقة وملابس الغيار التى قد يحتاج إليها الملك خلال السفر، وتخلفت سيارتهما إلى أن تم إصلاحها ثم واصلا السير إلى دوفيل، وكان وصولهما فى ظهر اليوم التالى.
وقد أنهكهما التعب بعد السفر المتواصل 600 كيلو، وعندما استيقظ فاروق فى فندقه فى أوكسيرا بلغه أن سيارة الحلاق والشمشرجى وصلت إلى دوفيل، وكانت الطائرة الملكية الخاصة رابضة فى مطار مدينة دوفيل فأمر فاروق بأن تقل الطائرة الملكية الحلاق والشمشرجى من دوفيل إلى المدينة التى قضى فيها الليل وأن تنتظرهما سيارة تنقلهما من المطار إلى الفندق، وظل فاروق ملازما للفندق إلى أن وصل الاثنان ومعهما الحقيبة التى كانت فى عهدتهما لأن الملك يريد الحلاق لحلاقة ذقنه ويريد الشمشرجى وحقيبة الملابس ليغير قميصه!
وفى الصيف عندما يكون فى الإسكندرية كان فاروق يدعو بعض النساء وهن بالمايوه إلى مصاحبته للتنزه فى الميناء بزورقه البخارى (الملكى) ويشاهده ركاب السفن الراسية فتتناثر تعليقاتهم، ولم يهتم بما قيل له بأنه ليس فى الريفيرا وأنه لا يجوز له أن يفعل ما ينتقص من هيبة الملك وسمعته.
وفى شهر رمضان كان فاروق يصوم ولم يكن ذلك صعبا لأنه اعتاد فى غير رمضان تناول الغداء فى الرابعة أو الخامسة بعد الظهر، ولكنه كان إذا عطش فى نهار رمضان يشرب الماء والعصائر!
وأثناء إقامته فى الإسكندرية فى الصيف استأجر فيلا ملحقة بفندق (سمر بالاس) لتقيم فيها إحدى خليلاته، فكان كل من يقيم فى الفندق أو يمر به يجد من يقول له: هذه هى الفيلا التى استأجرها الملك لخليلته.
هذه الحكايات يرويها- وغيرها كثير- أقرب الناس إلى الملك فاروق- كريم ثابت- الذى كان يلازم فاروق ليل نهار.. ويعلق على ذلك فى مذكراته بقوله:
لقد كان فاروق متآمرا على فاروق الملك.
وكان بوللى اليونانى هو المسئول عن (الشئون الخاصة) وعن تنظيم (لقاءات) الملك الخاصة جدا فى قصر الطاهرة أو فى ركن فاروق بحلوان أو فى أنشاص أو على ظهر أحد اليخوت الملكية، وكان فاروق يعرف أغلب الراقصات المصريات والأجنبيات، وبعد انتهاء المغنيات والراقصات ينفرد هو مع إحدى (الأرتستات) الموجودات أو مع بعضهن فى ركن خاص وينشغل معها أو معهن فى حديث تكثر فيه القهقهة، بينما تكون الموسيقى منهمكة بالعزف لنفسها، ولم تكن الحفلات الخاصة التى يقيمها بعض كبار البلد ويشرفها الملك بالحضور تختلف عن ذلك.
وكانت مداعباته لصديقاته المقربات منه أن يمس المرأة التى يداعبها بسيجارة فى ذراعها أو صدرها أو أن يشهر مسدسا فى وجه أحد الجالسين معه ويضغط عليه فيندفع منه الماء ليغرق وجهه وملابسه، أو أن يقذف أحدهم بما بقى فى الكوب من ماء بعد أن يشرب منه أو أن يضرب الطربوش على رأس صاحبه أو يلقيه على الأرض، أو أن يتظاهر بأن فى يده صرصاراً وأنه سيضعه على رقبة إحداهن فتسرع النساء جميعا إلى الابتعاد وهن يبالغن فى إظهار الاضطراب والخوف، وهو غارق فى الضحك لمنظرهن، وكان يضع على الأرض عند مدخل الصالون فى الجناح الخاص به فى قصر القبة حية صناعية كبيرة حتى إذا تعثر بها زائر وظهر عليه الارتباك انبسطت أساريره وارتفع صوت ضحكته عاليا.
وكان يأمر بإعداد علبة تورته فارغة من جروبى مملوءة بالضفادع ويرسلها إلى الصديق الذى يريد مداعبته على أنها هدية ملكية، وأغرب شىء أنه كان يشعر بالسعادة بقتل القطط والكلاب!
وبمناسبة عيد ميلا الملك فاروق فى 11 فبراير 1952 دعا فاروق وناريمان نحو ثلاثين شخصا من أقاربهما وأخصائهما إلى مأدبة غداء فى اليخت الملكى قاصد كريم وكان راسيا فى نيل القاهرة فى الجهة المقابلة لفندق سميراميس وكان فى مقدمة المدعوين شقيقاته الثلاث: فوزية وفائزة وفائقة وأزواجهن، وكان البرنامج الموزع على المدعوين تناول الغداء الساعة الواحدة على اليخت الملكى وتناول العشاء فى الخامسة بعد الظهر ثم العشاء الساعة الثامنة مساء فى قصر الطاهرة.. لكن فاروق لم يصل إلى الغداء إلا بعد موعده بساعتين، وفى قصر الطاهرة لم يحضر إلا بعد موعد الشاى بأربع ساعات ونصف الساعة- فى التاسعة والنصف- ولم يأمر بفتح القاعة للعشاء إلا بعد أن ظهر الإعياء على المدعوين. وبعد العشاء ظلت الفرقة الموسيقية تعزف ألحانا راقصة لكن المدعوين لم تكن لديهم القدرة على الرقص من التعب والملل، ولكن الملك استمر ينصت إلى الموسيقى وأخيرا نهض ليأمر بالعشاء.
ودعا فاروق المجموعة نفسها بعد ذلك إلى قضاء شم النسيم على اليخت الملكى المحروسة بالإسكندرية وقيل للمدعوين إنهم يمكن أن يقضوا الليلة فى اليخت أو أن يحضروا فى الصباح فى ساعة مبكرة لأجل إفطار ملكى، وحضر معظم المدعوين بين السابعة والثامنة صباحا ولم يحضر فاروق إلا فى الواحدة ظهرا ليقول لهم:
أظن أن وقت الفطور فات وسنجعل الفطور والغداء (مع بعض) ولم يأمر بالغداء إلا فى الساعة الثانية والنصف، وكان الجوع قد بلغ مداه بالجميع، وبعد الغداء دعا فاروق بعض ضيوفه إلى (برتيته) وجلس يلعب القمار معهم نحو ست ساعات متواصلة، وطبعا كان المدعوون أسرى لا يملكون أن يغادروا قبل مغادرة الملك، وفى الساعة التاسعة وقف الملك فتهيأ الجميع للعشاء لكنه قال لهم: أنا ذاهب إلى نادى السيارات ومعى ناريمان فمن يرد أن يأتى معنا يتفضل، ومن يردد العشاء هنا على اليخت يتفضل، ولكن فلان وفلانة وفلانة لازم يأتوا معنا.. وذهب فاروق إلى نادى السيارات بسيدى بشر الساعة الحادية عشرة مساء، بينما ترك بقية المدعوين على اليخت.
بعد هذه الحكايات يصف كريم ثابت فاروق بعد ملازمته له على مدى عشر سنوات فيقول: إنه كان ذا شذوذ ونزعات ونزوات وكان غريب الأطوار والتصرفات، وكان عنيدا وعناده كان أحيانا يسبب المشاكل، وكان مستهترا، ويظلم فى بعض الأوقات، وكان مستبدا برأيه، وكان فى الحقيقة يخاف وخوفه يبلغ فى بعض الأحيان درجة الجبن، ويرضى الهزيمة ببساطة، وعندما يبلغه أن خليلة هجرها تطلق لسانها فى حقه يبعث إليها باشارات تفزعها فتمسك عن الكلام، وعندما بلغه نبأ مصرع حسن البنا مرشد الإخوان اتصل ببعض أصدقائه تليفونيا وردد لهم النبأ فرحا.
ويعدد كريم ثابت بعض ما فعله الملك فاروق كان يفرض مشيئته على الحكومات ويتدخل فى التعيينات والترقيات والتنقلات الحكومية، وضم إلى الخاصة الملكية تفاتيش بآلاف الأفدنة كانت ملكا لوزارة الأوقاف، وكان (يطرد) الوزارات ويقيلها حسب هواه، وكانت الأحزاب تتهافت على كراسى الحكم وتنفخ فى ضعفه بتهالكها فينقلب ضعفه قوة، ومن هنا كان الطغيان.. وعلى سبيل المثال عندما جاء إسماعيل صدقى باشا بمشروع معاهدة صدقى بيفن بين مصر وبريطانيا لتكون بديلا لمعاهدة 1936 أعرب فاروق عن استعداده لقبولها، ولكن ما كادت اللجنة القومية ترفض المشروع وما كادت موجة الرفض الشعبى القوية تجتاح البلاد حتى تخلى الملك عن المشروع وترك صدقى باشا ومشروعه.. وقال: إنه ملك دستورى ومكث فى قصره أسبوعا لا يخرج منه لأن الجو فى العاصمة (مكهرب) كما قال!
يقول كريم ثابت: جلست يوما أفكر لو كنت رساما وأردت أن أرسم فاروق فكيف أرسمه وخرجت بأن لا سبيل إلى ذلك إلا إذا جئت بوعاء وملأته بخليط من الألوان البيضاء والحمراء والسوداء والخضراء والصفراء والزرقاء، فاللون الذى يخرج من هذه الألوان هو الأقرب إلى الصورة المنشودة، ِلأن فاروق كان مركبا من شخصيتين، ففى المناسبات الرسمية يخرج على الناس بصورة عاقلة واعية هادئة، وكان يتقن دوره فى المقابلات الرسمية اتقانا عظيما، ولكنه فى غير هذه المناسبات والمقابلات الرسمية يتحول إلى شخص آخر، ففى سنوات الحرب العالمية الثانية كان يدعو السيدات الأمريكيات والإنجليزيات وغيرهن من الأجنبيات إلى مأدبة عشاء فى المحال العامة، وبعد ذلك أخذ يدعو (الأرتستات) الأجنبيات ويمضى معهن ساعات فى مداعبة وقهقهة، وفى بعض الأحيان كان يوصل بعضهن إلى فندقهن، ويعلق كريم ثابت قائلا: إنه ورث هذا الاستعداد الطبيعى للاستهتار من بعض أفراد عائلته ولاسيما أمه (الملكة نازلى) وشقيقته (الأميرة فتحية) وكانت فضائح الأسرة المالكة تملأ صفحات الصحف فى أوروبا وأمريكا كما كانت شائعة على ألسنة أبناء الطبقة الراقية والسياسيين ووصلت إلى الناس العاديين، وقامت مظاهرات تندد بفساد الملك وأسرته وتطالب بخلعه عن العرش.. وهذا فصل آخر من المأساة التى عاشتها مصر فى ظل حكم فاروق من سنة 1944 حتى جاءت النجدة عام 1952 برحيله.

 

كان المفروض وفقا للدستور أن الملك يملك ولا يحكم، ووفقا للدستور أيضا كان المفروض أن نظام الحكم قائم على الفصل بين السلطات، وأن رئيس الوزراء هو المسئول عن السلطة التنفيذية، ولكن مبادئ الدستور فى أيام حكم فاروق كانت حبرا على ورق، فقد كان فاروق فى الواقع يملك ويحكم، بل إنه كان يحكم ويتحكم فى كل كبيرة وصغيرة، أى أنه كان دكتاتورا ولم يكن ملكا دستوريا وليبراليا كما أشاع من يكتبون عنه دون أن يعيشوا فى كواليس القصر مثل كريم ثابت وغيره. أما رؤساء الوزارات والوزراء فلم يستطيعوا أن يعترفوا بأنهم كانوا تابعين ومجرد منفذين للمشيئة السامية. والحكايات عن ذلك كثيرة.
يقول كريم ثابت فى مذكراته إنه بعد تعيينه فى القصر مستشارا صحفيا للملك وملازمته له اكتشف أن العلاقات بين القصر والحكومة قائمة على دستورين، أحدهما «مكتوب» ومعروف للشعب، والآخر غير مكتوب و»مكتوم» عن الشعب، وبمقتضاه كانت الحكومات المتعاقبة لا تصدر قرارا ولا تقوم بعمل إلا بعد استطلاع رأى الملك والحصول على موافقته. وعلى سبيل المثال كان جدول أعمال كل اجتماع لمجلس الوزراء يرسل إلى القصر قبل عقد الاجتماع فيأمر الملك بحذف أو إرجاء بحث بعض الموضوعات ويوافق على بحث موضوعات. وكانت جميع الترشيحات للمناصب الحكومية من درجة مدير عام فما يعلوها ترسل إلى القصر ليقول الملك كلمته فيها، بما فى ذلك المناصب الإدارية والفنية التى لا تمت إلى السياسة بصلة كمنصب مدير عام مصلحة التنظيم مثلا، وكثيرا ما كان القصر يعيد الترشيحات بعد أن يعارض فى تعيين أو ترقية بعض الأسماء، ولذلك كانت من تقاليد الحكومة أن ترشح اسمين أو ثلاثة اسماء لكل منصب ليقرر الملك من يعين فى الوظيفة من بينها.
ولم يكن وزير الخارجية يوافق على منح إجازة لسفير أو وزير مفوض فى سفارة إلا بعد عرض الأمر على القصر مع أن الملك لم يكن يعرف أسماء معظمهم. ولم تكن حركات الترقيات والتعيينات تصدر إلا بعد موافقة الملك بالنسبة لضباط البوليس ورجال القضاء والنيابة ومهندسى وموظفى الرى وأطباء وزارة الصحة وما إلى ذلك. وبالطبع كانت التعيينات والترقيات فى الجيش ووزارة الخارجية تعرض على القصر. بل كانت من التقاليد التى لا تستطيع حكومة تجاوزها أن (تستأذن) فى ميعاد المحمل، أو تغيير ملابس رجال الجيش والبوليس صيفا وشتاء، ومواعيد سفر السفراء والوزراء المفوضين إلى مقار أعمالهم، أو منح تأشيرة سفر لأى فرد من أفراد أسرة محمد على. وبالطبع كان لابد من الاستئذان أولا قبل حصول الوزراء على إجازات وقبل سفرهم للخارج وترشيح من سيقوم بأعمالهم.. وكانت تعرض على الملك جميع الكلمات التى ستلقى فى كل احتفال يحضره والكلمات التى يلقيها رؤساء الوزارات فى الإذاعة فى مناسبتى عيد ميلاد الملك وعيد جلوسه على العرش وغير ذلك من المناسبات الوطنية أو الدينية.. وهكذا كان تدخل القصر فى أعمال الحكومة.. والغريب ان زعماء الأحزاب كانوا يفعلون ذلك عندما يتولون الحكم باعتبار أن ذلك هو الأمر الطبيعى!
***
والذين يقولون إن فترة حكم فاروق كانت فترة ازدهار الليبرالية والديمقراطية يطلقون القول على عواهنه، والدليل أن الملك كان يعين ويقيل الحكومات ضاربا بالإرادة الشعبية فى الانتخابات عرض الحائط. فى بداية حكمه أقال الوزارة الوفدية صاحبة الأغلبية، وعين رئيس حزب الأحرار الدستوريين محمد محمود باشا زعيم الأقلية فاضطر إلى ضم وزراء من حزبى الأحرار الدستوريين والسعديين.
وبعد أشهر قليلة دفع محمد محمود إلى الاستقالة وعين على ماهر رئيسا للوزراء وكان رئيسا للديوان الملكى، وقبل السعديون والأحرار الدستوريون أن يعملوا تحت رئاسته، وأقر البرلمان هذا الوضع الذى تتولى فيه الحكم وزارة لم تأت بالانتخاب، واضطر على ماهر بعد ذلك إلى الاستقالة فكان المفروض إجراء انتخابات للرجوع إلى الشعب ليختار الحزب الذى يحكم وفقا للمبدأ الديمقراطى ولكن الملك اختار رجلا لا صلة له بالأحزاب هو حسن صبرى باشا ورضيت أحزاب الأقلية أن تشترك فى هذه الوزارة وصفق البرلمان لرئيس الوزراء الجديد، وبعد موت حسن صبرى المفاجئ أثناء إلقائه خطاب العرش أمام الملك فى البرلمان عين الملك حسين سرى باشا وهو ليس زعيما لأى حزب، ورضيت الأحزاب وأيد البرلمان حكومته وأعطاها الثقة.. وهكذا سارت الأحداث فى السنوات الأولى من حكم فاروق.. فكيف يقال إنه كان ملكا دستوريا وأن حكمه كان حكما ليبراليا، وأن البلاد كانت تتمتع فى أيامه بالحرية السياسية وبالديمقراطية؟
كانت المذكرات التى ترفعها الحكومة إلى الملك خالية من الرأى وكلها كانت تنتهى بالعبارة التقليدية «فى انتظار التوجيه السامى» ومازالت هذه المذكرات محفوظة فى قصر عابدين. وكانت المذكرات تعود وعليها تأشيرات بخط الشمشرجى ولم يجرؤ أحد من رؤساء الديوان الملكى أو رؤساء الوزارات على أن يقول إن معظم هذه التأشيرات بدون توقيع الملك وبخط الشمشرجى وهى مذكرات تتعلق بسياسة الدولة وشئون الحكم. وكان كبار رجال الدولة يقولون (حاضر) عندما يبلغهم الشمشرجى بتعليمات الملك وأوامره، وكان رؤساء الديوان الملكى يتعاملون مع الملك عن طريق الشمشرجى، وكان من بين رؤساء الديوان إبراهيم عبد الهادى، وحسين سرى، وحافظ عفيفى وغيرهم من الكبار.
كان هذا هو العالم المستور أو الجانب الخفى من نظام الحكم فى عهد فاروق، ومع ذلك كانت كل وزارة تعلن حرصها على مبادئ الدستور. بل إن فاروق تجاهل رئيس الوزراء فى الاجتماع الذى دعا إليه ملوك ورؤساء الدول العربية فى أنشاص على الرغم من الأهمية السياسية لهذا الاجتماع وما فى تجاهل رئيس الوزراء من إهانة، وكان إسماعيل صدقى هو رئيس الوزراء، وكل ما فعله أن ذهب إلى الملك بعد ذلك يهنئه على نجاح الاجتماع. وسافر فاروق إلى السعودية لإجراء مباحثات مع الملك عبد العزيز آل سعود ولم يستصحب معه أحدا من الوزارة بل إنه لم يبلغ رئيس الوزراء أحمد ماهر بأنه مسافر، وظن رئيس الوزراء أن الملك حين غادر البلاد على اليخت الملكى أنه ذاهب فى رحلة بحرية فى البحر الأحمر ثم فوجئ بنبأ اجتماعه مع الملك عبد العزيز وعند عودة فاروق من هذه الرحلة وجد الوزارة بكامل هيئتها فى انتظار استقباله فى ميناء السويس. وكان فاروق هو الملك الوحيد فى العالم الذى يسافر دون أن يؤلف مجلس وصاية يقوم مقامه فى غيابه، ولم يجرؤ أحد على أن يفاتحه فى ذلك الأمر الذى يتعلق بالدستور.
***
وفى كل مرة يشكل فيها حزب الأحرار الدستوريين الوزارة كانت قائمة ترشيحات الوزراء تحتوى دائما اسم حامد العلايلى، فكان الملك يشطب اسمه فى كل مرة، وحين سأله كريم ثابت: لماذا يكره العلايلى كل هذا الكره قال له الملك: أنا لا أعرفه ولكنى سمعت أنه شؤم. وقال فاروق مرة لكريم ثابت عن أحد الوزراء: هذا الوزير يعجبنى وأشار إلى أحمد مرسى بدر وزير العدل فى ذلك الوقت، فلما سأله عن سبب اعجابه به قال له: شنبه! وسمع كريم ثابت الملك يقول لرئيس مجلس النواب: عندما تؤخذ لك صورة فى المجلس يحسن أن تكون لابسا الطربوش. وسمعه مرة أخرى يقول لأحد الوزراء الكبار: عندما تخرج من مقابلة الملك ويصوروك مش ضرورى يكون فى إيدك السيجار.
يقول كريم ثابت إنه أثناء زيارة له إلى بعض الدول الأوروبية علم أن الملك حصل على أموال من بعض صفقات السلاح ومن عملية إصلاح اليخت المحروسة ومن عمليات أخرى كان له فيها نصيب مما يحصل عليه السماسرة، وحينئذ أدرك لماذا كانت وزارة الحربية تمنع جهاز المحاسبات من بحث حساباتها وخصوصا حسابات الحرب فى فلسطين وحسابات صفقات السلاح، ولذلك هاج فاروق عندما قدم مصطفى مرعى استجوابه المشهور فى مجلس الشيوخ عن الفساد والعمولات فى صفقات الأسلحة وإصلاح اليخت المحروسة وصفقة بيع اليخت فخر البحار، وغضب الملك على رئيس مجلس الشيوخ الذى طرح هذا الاستجواب، وكان الدكتور محمد حسين هيكل رئيس حزب الأحرار الدستوريين هو رئيس مجلس الشيوخ. ويضيف كريم ثابت إن فاروق منذ سنة 1950 لم يكن يستمع إلى نصائح أحد، ولم يتوقف عن مغامراته ولم يبتعد عن الأبواب التى يحصل منها على الأمل ولا يهمه ما تنبعث من هذه الأموال من رائحة الفضيحة، ولم يدرك أن عرشه أصيب بهزات تنذر بكارثة وازداد انغماسا فى القمار والسهرات وإغفال واجباته كملك، وفى هذه الفترة ساءت علاقاته برئيس لبنان، وبالوصى على عرش العراق، وبملك الأردن، وأفسد صلاته بالملك عبد العزيز بن سعود، وقضى بذلك على المكانة التى كانت له فى بداية حكمه.
ولأن استجواب مصطفى مرعى عن الرشاوى والأسلحة الفاسدة تحول إلى فضيحة مدوية أحيل الموضوع إلى النيابة العامة، وتناول التحقيق عددا من رجال الحاشية الملكية، وفى نهايته أصدر النائب العمومى (محمد عزمى) قرارا بحفظ التحقيق فأنعم الملك على رجال الحاشية المتهمين برتب ونياشين.
هل كان فاروق يعلم ما كانت تنشره الصحف العالمية من فضائحه ومجونه؟ وهل كان يعلم ما كان يردده المتظاهرون ضده بألفاظها؟ وهل علم بأن طلبة جامعة القاهرة أسقطوا صورته وداسوها بالأقدام؟ وهل كان يعلم بالنكت التى كانت تتناقلها الألسنة عنه وعن أمه وشقيقته فتحية؟
يقول كريم ثابت إن فاروق كان يعلم كل ذلك بالتفصيل وكانت ترفع إليه تقارير سرية من عدة جهات وفيها كل ما يحدث وكل ما يقال عنه بالحرف.
أكثر من ذلك.. كان يردد أنه سيكون آخر ملك لمصر.. وهذه قصة أخرى.

الملك فاروق الجزء الاول









فى مسلسل الملك فاروق حاولت مؤلفته الدكتورة لميس جابر إقناعنا بثلاث قضايا: الأولى: أن النحاس باشا زعيم حزب الوفد كان يخوض المعارك مع الملك دفاعا عن الديمقراطية والدستور، وهذه القضية صحيحة تاريخيا, الثانية: أن الملك فاروق كان وطنيا ومشغولا بمصالح البلاد وحريصا على رعاية الشعب رعاية كاملة كما أقسم على ذلك فى بداية عهده، والقضية الثالثة: أن الثورة قامت بدون مقدمات شعبية لمجرد خلاف بين الضباط الأحرار والملك حول تشكيل مجلس إدارة نادى الضباط واختياره لوزير الحربية الذى لا يرضى عنه الجيش. والقضيتان الأخيرتان فيهما مخالفة للواقع التاريخي.
لا يختلف المؤرخون على أن النحاس باشا تولى رئاسة الوفد بعد الزعيم الوطنى سعد زغلول، وهو زعيم تاريخى كان موضع إجماع الشعب بصورة نادرة، بل إن الشعب هو الذى جعله زعيما ولم يكن هو الذى سعى إلى ذلك. ولم يكن الوفد فى عهده حزبا بالمعنى الدقيق ولكنه كان حشدا شعبيا ضم كل الفئات والطبقات من الباشوات وكبار ملاك الأراضى إلى شيوخ الأزهر وكهنة الكنيسة إلى الطلبة والعمال والفلاحين. وسار الجميع خلف قيادته من أجل هدف واحد هو النضال لتخليص البلاد من الاحتلال البريطانى وإقرار نظام حكم ديمقراطى واستعادة ثروات البلاد المنهوبة. وبعد سعد ظهرت الخلافات بين زعماء الوفد التى كان يحجبها سعد بشخصيته الكاريزمية، ووقع بعضهم فى الفخ الذى نصبه القصر والانجليز بسياسة (فرق تسد) وشكل كل منهم حزبا لم تكن له شعبية ولكن الحرص على المناصب والثروة أدى فى النهاية إلى إفساد الحياة السياسية، مما أدى إلى حتمية قيام الثورة.
ومع حرص المسلسل على أن يجعل المشاهد يحب فاروق وعصره ورجاله لم يتناول بالتفصيل فساد الملك الذى كان يملك إقطاعيات بآلاف الأفدنة فيما كان يسمى (الخاصة الملكية) وكان يملك الأرض والفلاحين الذين كانوا يعملون فى نظام أقرب إلى السخرة. وهكذا كان بقية أفراد العائلة المالكة.
أما أن الملك فاروق كان ذا شخصية بسيطة خفيف الدم يحب الناس البسطاء فهذه مسألة تتعارض مع الحقيقة، وتؤدى إلى تضليل الأجيال التى لم تعايش أو تقرأ أو تسمع عن أحوال البلاد فى ذلك العصر والعوامل التى أدت إلى قيام الثورة، التى كانت تعبيرا عن إرادة الشعب ولم تكن تعبيرا عن غضب مجموعة من الضباط أو تطلعهم إلى السلطة.
والمؤرخ الكبير الدكتور لبيب رزق فى مقدمة كتاب (فاروق الأول وعرش مصر) للدكتورة لطيفة محمد سالم يقرر – عن علم وتخصص – أن حياة فاروق وعهده يمثلان مرحلتين مختلفتين تمام الاختلاف.
المرحلة الأولى كان شعبيا ومحبوبا والمرحلة الثانية كان فاسدا بكل معانى الكلمة. بل إن الدكتور يونان – استنادا إلى شهادات المقربين من الملك فاروق وأهمهم حسن باشا يوسف وكيل الديوان الملكى فى الفترة من 1942 إلى 1952 – يقرر أن شخصية الملك فاروق كانت فى المرحلة الثانية من عهده شخصية (سيكوباتية).. وللعلم فإن هذا مرض عقلى يجعل المصاب به يتحول إلى السلوك الإجرامى، ويضيف الدكتور يونان إلى ذلك ما ذكره المتخصصون من أن فاروق فى هذه المرحلة كان مصابا بمرض نفسى آخر هو (انفصام الشخصية). هذا بينما كانت مصر تعانى ظروفا سياسية واقتصادية بالغة القسوة فى أعقاب الحرب الثانية (1945 – 1952) وكانت فى حاجة إلى قيادة واعية وحكيمة وليس إلى ملك مستغرق فى اللهو ومحاط ببطانة السوء التى تزين له كل ألوان الانحراف السياسى والأخلاقى.
والدكتورة لطيفة محمد سالم أستاذة التاريخ الحديث من أكثر المؤرخين إلماما بحياة الملك فاروق ولها أعمال موسوعية عن عصره، وقد أعدت كتابها عن فاروق اعتمادا على الوثائق البريطانية والمصرية وشهادات المقربين والمعاصرين لفترة حكم فاروق، وخرجت بنتيجة أنه كان هناك فاروقان وليس فاروقا واحدا. الأول حكم فى الفترة من 1938 حتى 1944 ثم حدث انقلاب فى شخصيته بعد إقالته لحكومة الوفد فى أكتوبر 1944 وأصبح فاروقا آخر تسبب بنزواته السياسية والشخصية فى تخلف مصر عن مسيرة التحديث التى انطلقت إليها معظم الدول وسبقتنا .
وقد عرض المسلسل بتفصيل المرحلة الأولى واستغرقت معظم الحلقات. أما المرحلة الثانية – وهى الأهم – فاكتفى بإشارات سريعة قد تفوت على المشاهد، وأظهر انحرافات الملك وكأنها كانت مجرد هفوات أو نزوات وليست تلاعبا بمصائر الشعب واعتداء على حقوقه. وقدم المسلسل البطانة الفاسدة المحيطة بالملك وكأنها مجموعة من الظرفاء والأرجوزات لتسليته فى أوقات الضيق، ولم يبين المسلسل كيف كانت هذه الأرجوزات تؤثر فى سياسات ومواقف الملك السياسية والأخلاقية. وإن كان المسلسل قد ركز على دور أحمد حسنين باشا وكأنه هو وحده كان له تأثير كبير عليه بينما كانت بطانة السوء لا تقل تأثيرا خصوصا بعد وفاة أحمد حسنين وإنفرادهم بالملك الذى عانى من انحرافات أسرته – بالإضافة إلى انحرافه هو أيضا – ويعانى من الضغوط الشعبية متمثلة فى حزب الوفد، ويعانى من الفضائح التى ارتكبتها أمه وبعض شقيقاته فى أمريكا وكانت الصحف الأمريكية والأوربية تنشرها كما تنشر فضائحه فى رحلاته إلى أوربا .
ولم يقدم المسلسل صورة للحياة الاجتماعية فى مصر فى ذلك العهد، وحالة الفقر والحرمان والملايين التى لا تأكل اللحم إلا فى العيد ولا يأكلون الفاكهة إلا نادرا، ولا يعلمون أبناءهم لأنهم لا يقدرون على دفع مصاريف التعليم، وهكذا كان الثالوث الذى يتردد فى الخطب الرسمية والمقالات هو: الفقر والجهل والمرض، وكان أكبر مشروع قومى هو مشروع مكافحة الحفاء لأن الملايين كانت لا تملك ما تضعه فى أقدامها، وكان أكبر حلم شارك فيه الشعب هو مشروع القرش الذى تبرع فيه المصريون بقروشهم لبناء مصنع لصناعة الطرابيش على أنه تحقيق للنهضة الصناعية للبلاد! لم يصور المسلسل العمال والفلاحين وصغار الموظفين فى معاناتهم كما صورها الأدباء والشعراء ولعلنا نذكر رواية الأرض لعبد الرحمن الشرقاوى وأشعار بيرم التونسى والشرنوبى وكتابات الدكتور محمد مندور وغيرهم وغيرهم.
ولم نشاهد فى المسلسل حالة البؤس الذى كان يعيش فيها ملايين المصريين وشاهدنا القاهرة نظيفة والناس تسير بملابس لامعة وطرابيش جديدة وكأنها باريس! والحقيقة أن القاهرة كانت مليئة بالحمير وعربات الكارو وسوارس وبالمتسولين والمشردين والبلطجية.
تقول الدكتورة لطيفة محمد سالم: إن المرحلة الثانية لفاروق (1944 – 1952 ) شهدت أفول التوهج الذى لازمه، وانفصل عنه الشعب الذى كان يعانى من سوء الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، وتحول فاروق إلى ديكتاتور يعادى حزب الأغلبية ويعين حكومات ليست لها قاعدة شعبية لتكون منفذة لرغباته ويكون هو وحده الآمر الناهى ويمارس من خلالها أوتوقراطية مستفزة، واستسلمت له أحزاب الأقلية (الأحرار الدستوريين، والهيئة السعدية، والكتلة، والحزب الوطنى) وسايرته – بل وشجعته – على استبداده واستهانته بحقوق الشعب وبالدستور.
ولم يصور المسلسل حالة القلق الاجتماعى ونشأة الحركات السياسية بسبب الحرمان والفقر واستهانة أغنياء الحرب والإقطاعيين بمعاناة الملايين، ولم يعرض لمظاهرات الطلبة ضد فاروق وكيف أيد ما فعلته حكومة النقراشى بفتح كوبرى قصر النيل ليسقط عشرات من الطلبة المتظاهرين فى النيل ويكافئ الحكومة على ذلك بمنح نيشان محمد على لرئيس الوزراء، ومنح الباشوية للوزراء الذين لا يحملونها. ولم يذكر المسلسل تجاهل فاروق لمعاناة الشعب وإقامته الاحتفالات التى ينفق عليها من أموال الشعب مما كان يمثل استفزازا لمشاعر الناس.
ولكى يعرف الجيل الجديد الحقيقة لابد أن نكمل الحديث عما سجله التاريخ عن هذا العهد البائد.



 











-فاروق كان ملكا ولم يكن ملاكا !




 









كان صلاح الشاهد مديرا للمراسم برئاسة مجلس الوزراء وكان قريبا جدا من رؤساء الوزارات: مصطفى النحاس، وحسين سرى، وعلى ماهر، وأحمد ماهر، والنقراشى، ونجيب الهلالى، وغيرهم. واستمر فى عمله بعد قيام الثورة إلى أن صار كبير الأمناء برئاسة الجمهورية مع عبد الناصر ثم مع السادات.. وقضى 31 عاما يراقب ويتابع من قريب ما يجرى فى دهاليز السياسة فى عصر فاروق ثم فى عصر الثورة، ومن موقعه كان يرى ويسمع ويتابع ما يجرى فى القصر الملكى ثم فى القصر الجمهورى.
وبعد أن استقال من عمله فى عام 1973 نشر كتابا مهما بعنوان (ذكرياتى بين عهدين) تحدث فيه عما شاهده وعايشه فى دهاليز القصر الملكى ثم القصر الجمهورى. ويلتقط الكاتب الكبير محسن محمد فى مقدمة هذا الكتاب واقعة تكشف الكثير من جوانب شخصية الملك فاروق.
فقد أراد هارى ونستون تاجر المجوهرات الكبير فى أمريكا اللاتينية أن يبيع للملك فاروق قطعتين من الماس بمليونى دولار عن طريق سفير مصر فى باريس أحمد ثروت، وتدخل فى الصفقة أحمد نجيب الجواهرجى (الذى كان الواسطة فى زواج فاروق من ناريمان) وحصل على سمسرة 50 ألف دولار، وذهب إلى المليونير أحمد عبود (صاحب مصانع السكر والسماد وأغنى رجل فى مصر فى ذلك الوقت) وطلب منه أن يدفع الثمن (مقابل خدمات وتسهيلات يحصل منها على أكثر من المليونين) ولكن عبود باشا لم يستطع تدبير المبلغ كله وتمكن من دفع مليون و200 ألف دولار تسلمها الجواهرجى أحمد نجيب وأخذ منها نصيبه، ووافق البائع على أن يسدد المبلغ الباقى فيما بعد، وكان الثمن العاجل لهذه الصفقة هو إقالة وزارة أحمد نجيب الهلالى التى كانت تضيق على عبود باشا الخناق بسبب تهربه من الضرائب مقابل مليون و200 ألف دولار ولم يعد أحد يطالب عبود باشا بما عليه للضرائب.. وهكذا كان فاروق ورجاله وعصره.
موقف آخر يغنى عن كتاب يعدد مفاسد فاروق وعصره، طلب الملك فاروق تعيين كريم ثابت وزيرا فى وزارة حسين سرى باشا، وكريم ثابت يعلم الجميع فساد تصرفاته، ورأى صلاح الشاهد حسين سرى باشا- رئيس الوزراء- يقول لمن اعترض على تعيين كريم ثابت وزيرا وهو مشهور بفساده: الملك عاوز كده ولازم نسمع كلام الملك. كما سمع من محمد هاشم أقوى وزراء الحكومة وزوج حسين سرى باشا يقول: كريم ثابت قريب جدا من الملك وحايسندنا فى القصر، والسياسة عاوزة كده.
ويحكى صلاح الشاهد أن مباذل الملك فاروق وسهراته التى شاعت فى مصر وخارجها، وبعد أن ظهر أن الملك وحاشيته وفى مقدمتهم أحمد حسنين باشا سائرون فى سياسة غير وطنية وغير كريمة حتى أصبح رمز البلاد مضغة فى الأفواه، حينئذ رأى النحاس وكبار الوفديين عزل الملك عن العرش، وعرض الأمر على مجلس الوزراء فأقر هذا الاتجاه وعهد إلى نجيب الهلالى باشا أن يصوغ بأسلوبه الدقيق بيانا بمبررات خلع الملك، فأعد البيان وذهب به إلى منزل النحاس حيث كان الوزراء لا يزالون موجودين هناك، وتم توقيعهم جميعا على البيان كقرار صادر من مجلس الوزراء بخلع الملك فاروق وإعلان الجمهورية.. كان ذلك فى سنة 1943 أى قبل 9 سنوات من قيام ثورة يوليو، ولكن جاء إلى النحاس من يبلغه موافقة السفارة البريطانية على هذا القرار وأنها تشجع هذا الاتجاه فقام بحرق القرار، واحتفظ أحد الوزراء وقتها بمسودة هذا القرار الذى يكفى للدلالة على مدى ما كان عليه فساد الملك وحاشيته. وهذا الوزير هو محمود سليمان غنام باشا الذى كان وزيرا للتجارة فى ذلك الوقت.
ويصف صلاح الشاهد حال البلاد فى ظل حكم فاروق فيقول إن مصرع النقراشى ثم حسن البنا كانت لهما آثار سيئة على الحالة الداخلية فازدادت الأمة تفرقا، وشاعت فى البلاد إجراءات بوليسية غير عادية.. ويشير إلى تزوير الانتخابات بناء على رغبة الملك فاروق ليكون مجلس النواب مؤلفا من أحزاب الأقلية. كما يروى صلاح الشاهد كيف كان الملك والزعماء السياسيون يتوددون إلى السفير البريطانى، وأن السفارة البريطانية كانت فى عصر فاروق هى التى تتولى رسم السياسات.. ويذكر أسماء لا حصر لها من الوزراء ورؤساء الوزارات ورجال القصر - بالإضافة إلى الملك - كانت تستلهم الوحى من السفارة البريطانية التى تمثل سلطة الاحتلال. ويتحدث عن كريم ثابت، فيقول إنه شخصية غامضة تحوط بها الأساطير والحكايات الأخلاقية ومع ذلك كان كريم ثابت عند الملك (فرخة بكشك) ولعب دورا مدمرا فى الفترة من 1946 إلى 1952، وعند زواج الملك بناريمان سنة 1951 اشترطت ناريمان إبعاد كريم ثابت وحاشية الملك التى فاحت رائحة فسادها، وفعلا أبعد الملك كريم ثابت.. ولكن بعد أن تمكن من إفساد كل شىء.. وإفساد الملك.
ويذكر صلاح الشاهد أن ناهد رشاد- التى كانت من وصيفات القصر (وهناك قصص وحكايات عن قربها من فاروق)- كانت تطل من شرفة القصر إلى جوار الملك يوم 16 يناير 1952- قبل الثورة بشهور- وكانا يتابعان المظاهرات التى تهتف ضد فاروق وفساده.
وكان شعور السخط سائدا فى أنحاء البلاد مقترنا بميلاد ولى العهد أحمد فؤاد.. لم تكن الأمة مبتهجة بميلاد ولى العهد كما حدث عند زواج فاروق سنة 1938 بالملكة فريدة، ورأى الملك المظاهرات التى تهتف بألفاظ عدائية ضده وضد ولى العهد، وقالت ناهد رشاد فى ذلك للملك: إننا أمام بوادر خطيرة، يجب يا مولانا أن تقوم بعمل كبير يهز هذا الشعب، وسألها الملك ساخرا عن هذا العمل الكبير فأجابت: مثل أن تتنازل عن نصف أموالك للشعب حتى يلتف الشعب حول العرش، ولكن الملك ضحك ضحكة ساخرة، وبعد أيام احترقت القاهرة.
وبمناسبة ميلاد ولى العهد أحمد فؤاد كانت التعليمات الصادرة من القصر أن تكون الهدايا التى تقدم إلى الملك عينية ومن الأفضل أن تكون من الذهب. ويذكر صلاح الشاهد بعض الأمثلة.. كانت هدية اللواء وحيد شوقى (بك) صينية من الذهب وبها جنيهات ذهب تحمل صورة الملك فاروق، وطلب كريم ثابت من الكنيسة المارونية التى كان ينتمى إلى طائفتها أن تقدم صينية من الذهب، وكذلك البطريركية القبطية.
ويذكر صلاح الشاهد واقعة تابع تفاصيلها، وهى أن ناريمان حصلت على حكم بحضانة ابنها أحمد فؤاد- بعد عزل فاروق والفضائح التى كان يرتكبها فى منفاه بإيطاليا بتصرفاته غير الأخلاقية التى كانت تملأ صفحات من أكبر صحف أوربا- وذهبت إلى إيطاليا لتنفيذ الحكم والتعرف على ثروة الطفل، ففوجئت بأن مجوهرات الملك ما زالت موضوعة فى أكثر من سبعة صناديق من الخشب ملفوفة بورق جرائد بالية ومودعة بالجمارك بسبب خلاف بين فاروق وسلطات الجمارك الإيطالية حول الرسوم الجمركية المستحقة على هذا الحجم الهائل من المجوهرات. وعرضت القضية أمام القضاء الإيطالى، وفى ذلك أكبر دليل على أن فاروق خرج من مصر ومعه صناديق مكدسة بالمجوهرات، طبعاً من دم الشعب المصرى على عكس ما ذكرته الأميرة السابقة فريال ابنة الملك فاروق التى تعيش فى سويسرا الآن من أن الملك لم يحمل معه جواهر.
ويكرر صلاح الشاهد الإشارة إلى دور كريم ثابت فى حاشية الفساد حول الملك فيقول عنه إنه شخص لا يؤمن جانبه، كان قوى التأثير على الملك ودفعه إلى التصرفات غير الأخلاقية. ويروى كيف كان الملك فاروق معزولا عن المشاعر الشعبية على عكس ما ذكره المسلسل وأقام مأدبة غداء بمناسبة (سبوع) ولى العهد لكبار رجال الجيش يوم السبت 26 يناير سنة 1952- يوم حريق القاهرة- وعند اندلاع الحرائق وامتدادها إلى أنحاء العاصمة توجه وزير الداخلية- فؤاد سراج الدين- إلى القصر لكى يطلب إنزال الجيش إلى الشارع لحماية العاصمة وكان الملك يعلم بحجم الحريق وبسبب حضور وزير الداخلية ومع ذلك جلس الوزير ساعتين ونصف الساعة إلى أن أذن له الملك بمقابلته (وهو يعلم بأن القاهرة تحترق).
ويردد صلاح الشاهد السؤال الذى يحير المؤرخين إلى اليوم وهو: من الذى دبر حريق القاهرة؟ هذا الحريق الذى كانت نتيجته الأولى إجهاض المقاومة المسلحة للاحتلال التى اشتعلت فى مدن القناة وكانت حكومة الوفد تدعمها. بعد الحريق طلب الملك فرض الأحكام العرفية ثم أصدر قراره بإقالة حكومة الوفد وكان فى الحقيقة ينتظر أول فرصة للتخلص منها لأن النحاس كان عنيدا فى رفضه لاستبداد الملك، وبدأ فاروق بعد ذلك يتخبط فى القرارات والتصرفات فيعين حكومات هزيلة ليست لها شعبية، ويختار رؤساء وزارات لا دور لهم إلا (السمع والطاعة) وهكذا تحولت البلاد إلى ظلام ما بعده ظلام - على حد تعبير صلاح الشاهد- وهو يشير بأصابع الاتهام إلى القصر وإلى عناصر ذات اتصال بأمريكا! ويشير إلى ما اكتشفه وزير الداخلية (فؤاد سراج الدين) من اشتراك بعض المهيجين فى حريق القاهرة لأحداث الشغب واستعملوا لإشعال الحرائق مواد واردة من الخارج ولم تكن فى متناول هؤلاء الغوغاء والعملاء، وكان الأمر مدبرا بدقة ابتداء من مصر الجديدة إلى حلوان، والتنفيذ محكما إحكاما كبيرا، ولكن ما دور الملك؟ يشير صلاح الشاهد بإصبع الاتهام إلى الملك ويستدل على ذلك بأن المدعوين على الغداء الملكى هم جميع ضباط البوليس فى القاهرة من رتبة صاغ فما فوقها، مع 300 من ضباط الجيش بمناسبة (سبوع) ولى العهد. أى أنه لم يكن فى البلد من يملك التصرف لمنع امتداد الحرائق.
ويقول صلاح الشاهد إن تصرفات الملك فاروق يوم الحريق كانت مشبوهة ومريبة، وربما كان بعض من حوله قد أفهموه بأنهم يدبرون أمرا يتيح له الإطاحة بحكومة الوفد، ومن الغريب أنه كان بإمكان الملك أن يطلب من ضباط الشرطة الانصراف من مائدة الغداء لإخماد النيران واستعادة السيطرة على الفوضى ولكنه لم يفعل ذلك بل حدث العكس، فقد جمع الضباط بعد الغداء وظل يتكلم معهم، وعندما طلب وزير الداخلية منذ البداية إنزال الجيش للاشتراك فى إخماد الحريق لم يجد استجابة، وحين ذهب الوزير إلى القصر ليطلب النجدة وجد وزير الحربية (حيدر باشا) ورئيس الديوان (حافظ عفيفى باشا) يجلسان معا وكأن شيئاً لا يحدث، وقابلا طلبه ببرود وكل منهما يدعو الآخر إلى رفع الأمر إلى (الأعتاب الملكية) ليأذن- أو لا يأذن- بنزول الجيش. ونزل الجيش ولكن لم يحرك ساكنا.. وقال وزير الحربية إنه يخشى أن ينضم الجيش إلى الجمهور الغاضب!
هكذا كان الحال.. ثم نجد من يقول إن فاروق كان ضحية!!



 
بريد الكاتب











 




 











فاروق كان ملكا وليس ملاكا (4)




 









كريم ثابت شخصية مثيرة كان من أسرة تمصرت بالهجرة من الشام فى أواسط القرن القرن 19. وكان والده رئيسا لتحرير جريدة المقطم الوثيقة الصلة بالسفارة البريطانية وسلطات الاحتلال. وورث عن أبيه رئاسة تحرير المقطم.9 وقد ظهر فجأة سنة 1942 فى مقدمة الحاشية القريبة من الملك فاروق وأصبح مستشارا صحفيا للملك، وهو منصب لم يكن موجودا قبل ذلك وأنشئ لأول مرة من أجله. وكان المستشار الشرقى فى السفارة البريطانية (السير والترسمارت) هو الذى رشحه للملك. وهذا المستشار البريطانى كان له دور خطير فى إدارة شئون البلاد، فهو مستشرق متزوج من ابنة فارس نمر صاحب جريدة المقطم، وكان والد كريم ثابت ابن اخت فارس نمر، وبهذا المثلث (السيد والترسمارت وفارس نمر وكريم ثابت) الذى تربطه علاقات القرابة والنسب كانت جريدة المقطم هى الجريدة المعبرة عن السياسة البريطانية فى مصر أيام السفير البريطانى اللورد كرومر الحاكم الفعلى لمصر فى ذلك الوقت واستمرت كذلك بعد رحيل اللورد كرومر.
وفى مقدمة مذكرات كريم ثابت التى نشرتها دار الشروق فى جزءين يقول الأستاذ محمد حسنين هيكل إن الملك استلطف كريم ثابت فتحقق له النفوذ الذى جعله يؤثر على الحياة السياسية فى مصر إلى حد أن وضع ما أسماه (السياسة الجديدة) للبلاد واستطاع إقناع الملك بها، وإلى حد أن الملك كان يوصله بسيارته الخاصة إلى بيته بعد أن تنتهى سهرتهما! بل وكان الملك يمر عليه بسيارته ليذهبا معا إلى السهرة! ويقول كريم ثابت: أصبح الملك لا يخرج من قصره بصفة غير رسمية بدون أن يستصحبنى معه أو أن أقابله فى الجهة التى يقصد إليها وفى المأدبة التى يقيمها يدعون إلى الانتقال للجلوس إلى جانبه.
لاحظ كريم ثابت عندما دخل مكتب الملك أن عليه لوحة مكتوبا عليها باللغة الفرنسية (الصبر) وهذه اللوحة وضعها الملك فؤاد وهى ملحوظة عابرة لكنها تشير إلى جو القصر وهو جو ليس فيه الروح المصرية.
ويضيف كريم ثابت الملك فاروق بأنه كان بفطرته يميل إلى تصديق الوشايات وأخبار السوء وهو يقول ذلك بعد عشر سنوات من مصاحبة الملك ليل نهار.. وهذا يكشف لنا عن جانب مهم من شخصية الملك الذى كان يحكم مصر بالدسائس والوشايات ومؤامرات الحاشية والشماشرجية!
ويحكى كريم ثابت عن أول مرة زاره الملك فى بيته فقد استوقفت نظره مائدة سوداء نادرة موشاة برسوم من خيوط النحاس فقال له إنه يجمع هذا الطراز من الموائد لأنها من عهد جده الخديو إسماعيل وإنه يسره جدا أن يضم هذه المائدة إلى مجموعته، ثم أخذ يقلب زهرية من البللور الأحمر من صنع مصنع جاليه الشهير بفرنسا فقال له إنه يجمع كل ما يجده من صنع جاليه، وأخذ المائدة والفازة طبعا ونقلهما إلى قصر عابدين.
ويحكى أيضا أن الملك حسين كان يزوره فجأة وعلى حين غفلة كان يستقبله بالبيجامة والروب ويعتذر له عن ظهوره أمامه بهذه الصورة ويبدى استعداده لارتداء ملابسه على الفور فيأبى عليه ذلك. وقد يستلقى على سريره بينما يكون كريم ثابت جالسا على المقعد المقابل له تماما كما يتصرف صديقان لا كلفة بينهما! وأعجبت الملك (لبيسة أحذية) من العاج وقبعتها على هيئة فيل صغير فأخذها.. وابتداء من ديسمبر 1943 وبعد حادث القصاصين أصبح كريم ثابت يلتقى بالملك فى جناحه الخاص.
وكان فاروق ينتقل بين القصور الملكية فى القاهرة والإسكندرية والقصور الخاصة الأخرى ومن بينها قصر الطاهرة الذى ضم إليه فيلا كان يملكها المسيو جاتيفيو صاحب محل الموبيليا الشهير فى القاهرة، واعتاد الملك أن يلتقى فى هذه الفيلا بصديقاته وخليلاته كما يقول كريم ثابت الذى كان يلازم الملك وكانت له حجرة قريبة من الملك فى كل قصر! كما كان الملك يستقبل خليلاته فى استراحة الهرم التى بناها الخديو إسماعيل وقيل إنه بناها ليستقبل فيها الإمبراطورة أوجيى زوجة نابليون الثالث ثم هدمها فاروق وأقام مكانها استراحة فاخرة على الطراز الفرعونى، وكذلك فعل فى استراحة رأس الحكمة، واستراحة أخرى معزولة تماما عن العمران فى قلب الصحراء فى منطقة اسمها (وادى الرشراش) الطريق إليها من حلوان إلى الصف ثم إلى طريق صحراوى غير معبَّد، وحول الاستراحة مبنى للخدم وآخر للحرس وثالث للمطبخ والمخزن ومولد الكهرباء.
كيف يقضى يومه؟
يقول كريم ثابت إن فاروق كان يسهر الليل ولا ينام إلا عند الفجر، وكان يقضى الليالى فى سهرات فى البارات والأندية الليلية وفى لعب القمار، وإذا لم يكن مرتبطا بموعد احتفال أو استقبال فإنه يستيقظ عند الظهر أو بعد الظهر، وكانت تعليماته ألا يوقظه أحد إلا لأمر خطير. وكان يقوم على خدمته الخصوصية ثلاثة (شماشرجية) يتناوبون الخدمة وأشهرهم محمد حسن، وكان له حلاق مصرى اسمه (حسنين الباشا) وحلاق آخر إيطالى (بترو) يتناوبان العمل على مدى 24 ساعة، بالإضافة إلى (التشريفاتية) الذين يتناوبون العمل على مدار الساعة أيضا، ولم يكن أحد يعلم أن الشماشرجى هو الذى يدير المكتب الخاص للملك الذى تصدر منه المكاتبات المختومة بخاتم (المكتب الخاص لجلالة الملك) وعند هذا الشماشرجى كانت تتجمع (البوستة) المرفوعة على الملك من الديوان الملكى ومن الحكومة، والإشارات التليفونية لإبلاغها للملك إما للعلم وإما لتلقى (توجيهات جلالته).. كل أسرار الدولة كانت تصل إلى الشماشرجى فيضعها فى حقيبة كبيرة (أو حقيبتين)، ويضع مفتاح الحقيبة فى ظرف مختوم بالشمع الأحمر ويضع الحقيبة أمام الملك فى الجناح الخاص عندما يستيقظ، أما الإشارات التليفونية فكانت للأمور العاجلة ولا يطلع عليها الملك إلا بعد الظهر، وكل هذه الأسرار كانت فى النهاية فى يد الشماشرجى، فالشماشرجى هو الذى يتولى عرض أمور الدولة على (جلالة الملك) وهو الذى يبلغ (توجيهات جلالته) للمسئولين فى القصر فى الحكومة وإذا أراد الملك أن يؤثر بملاحظات أو تعليمات على الأوراق المعروضة عليه فإنه يترك للشماشرجى مهمة صياغتها وكتابتها على المذكرة المرفوعة إليه.
كان الملك فاروق يقرأ العربية قراءة تمكنه من معرفة مضمون الأوراق الرسمية لأنها مكتوبة بلغة سهلة أما أقوال الصحف من أخبار ومقالات فكان يقرأ ملخصا لها باللغة الفرنسية لأن معرفته باللغة العربية الفصحى متواضعة، ويضيف كريم ثابت إن حياة فاروق الخاصة كانت فوضى، فلم تكن له مواعيد للغداء لذلك كان الطباخون والسفرجية فى حالة استعداد من الساعة الثانية بعد الظهر حتى آخر الليل. وفى أحيان كثيرة كان يتناول عشاءه فى الخارج أثناء السهرة. ولم يكن يفرق بين ساعات النهار وساعات الليل، ويضيف كريم ثابت الذى لازم الملك فاروق عشر سنوات فى معظم أوقاته ليلا ونهارا: إن شهوته فى التسلط كانت جزءا من نشأته والحياة التى ألفها من حداثته فى بيئة الخدم الذين كانوا يتظاهرون بالرضا والسعادة عن كل ما يفعله بهم مهما بلغ بهم الأذى ومجافاة الطبائع السليمة.
تناقضات فى شخصيته
ودليلا على التناقضات فى شخصية الملك فاروق يحكى كريم ثابت أن الملك لمح سيدة مسلمة متزوجة وبيدها شريحة من لحم الخنزير فاستشاط غضبا وأنبها بصوت مسموع لأنها تأكل اللحم المحرم شرعا، وأخفى الموجودون على المائدة ابتساماتهم لأنهم يعلمون أن تلك السيدة كانت إحدى خليلاته فى ذلك الوقت، وكان فاروق لا يخفى أخص شئونه الغرامية عن المقربين منه.
وكان فاروق يقتنى مئات من الساعات والولاعات ومشابك الكرافتة ومحافظ الجيب من كل حجم وكل طراز، من ذهب، وذهب محلى بأحجار كريمة، ومن ذهب بلاتين، ومن فضة مزخرفة، ومن ساعات أثرية تاريخية، وكانت محفوظة فى حقائق علب صنعت خصيصا لحفظها وعليها (أمين) أى موظف مسئول عنها، ولكل منها رقم ومسجلة فى السجل الخاص مع وصف كل منها. ومن هذه المقتنيات أيضا مجموعات من النقود القديمة النادرة وطوابع البريد، وكان الأمين عليها رجل إيطالى اسمه (جارو) كان حلاق الملك فؤاد منذ كان وليا للعهد ثم عين له مساعدا شابا اسمه (بترو) أصبح فيما بعد أحد حلاقى الملك. هذا بالإضافة على مجموعات من الأكواب والكئوس والأطباق والشوك والسكاكين والملاعق من الذهب الخالص أو من الذهب المحلى بالماس والأحجار الثمينة ومجموعات من المسابح المرصعة بالأحجار الكريمة، و(الظروف) الذهب التى توضع فيها فناجين القهوة والشاى. وكانت عند تجار المجوهرات والعاديات فى مصر تعليمات إذا وقعت فى أيديهم حلية أو ساعة أو تحفة ثمينة أن يبادروا إلى إبلاغ القصر عنها ليكون الملك أول من يفوز بشرائها. وكذلك كان يفعل ذلك تجار المجوهرات الأجانب وكانت أشهر محال المجوهرات والعاديات فى أوروبا وأمريكا ترسل إلى القصر نشرات مصورة عما لديها من نفائس فإذا راقه شىء منها أرسل فى طلبه.
ويقول كريم ثابت إن الملك فاروق كان مولعا بالقمار يمضى ليله حول الموائد الخضراء بعد نهار نصفه فى الفراش وكان يأكل بشراهة حتى أن وزنه بشهادة أحمد النقيب باشا الطبيب الخاص للملك- كان بين 130 و140 كيلو. ويتحدث كريم ثابت عن حياة فاروق فى الصيف الذى يقضيه فى الإسكندرية فيقول إن الملك كان يقضى أياما فى استراحة خاصة بالقرب من قصر رأس التين فينام ويستيقظ بالمايوه ويقضى يومه كله بالمايوه وهو حافى القدمين ويأتى إليه الشماشرجى النوبتجى بالبوستة المرفوعة إلى الديوان الملكى والإشارات والتبليغات من مؤسسات الدولة فينظرها فى حجرة الطعام وهو بالمايوه وحافى القدمين. وكان يقود سيارته بنفسه بسرعة جنونية فى تنقلاته ورحلاته غير الرسمية وحدثت له حوادث لم يعرف بها الناس سوى أشهرها وهو حادث تصادمه بسيارة نقل عسكرية بريطانية عند القصاصين بالقرب من الإسماعيلية فى نوفمبر 1943 وقد مكث بسببها فى المستشفى العسكرى البريطانى فى صحراء القصاصين قبل أن يقدر على العودة إلى القاهرة، ولولا أن سيارته المرسيدس التى أهداها إليه هتلر كانت قوية جدا للقى حتفه حتما فى ذلك الحادث، ومع ذلك ما كاد يسترد عافيته حتى نسى ما تعرض له من خطر وعاد سيرته الأولى وظل يقود سيارته قيادة خطرة ويسعده أن يصرخ من معه.
هذا بعض ما لم يذكره المسلسل التليفزيونى عن الملك فاروق ويمثل الجانب الحقيقى لشخصيته وكان يجب أن يشير إليه لتكتمل الصورة.. والبقية تأتى.



 
بريد الكاتب

Linkwithin

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...

أهلاوية دوت كوم | اخبار النادى الاهلى المصرى